موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


151. الموقف الواحد والخمسون بعد المائة

قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾[الكهف: 18/ 66].

اعلم أن المريد، لا ينتفع بعلوم الشيخ وأحواله إلاَّ إذا انقاد له الانقياد التام، ووقف عند أمره ونهيه، مع اعتقاد الأفضلية والأكملية. ولا يغني أحدهم عن الآخر، كحال بعض الناس، يعتقد في الشيخ غاية الكمال، ويظن أن ذلك يكفيه في نيل غرضه وحصول مطلبه، وهو غير ممتثل ولا فاعل لما يأمره الشيخ به أو ينهاه عنه. فهذ موسى (عليه السلام) مع جلالة قدره، وفخامة أمره طلب لقاء الخضر (عليه السلام) وسأل السبيل إلى لقياه وتجشّم مشاق ومتاعب في سفره، كما قال: ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً﴾[الكهف: 18/62].

ومع هذا كله، لمّا لم يمتثل نهياً واحدًا، وهو قوله: ﴿ فَلَ تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾[الكهف: 18/ 70]

ما انتفع بعلوم الخضر (عليه السلام) مع يقين موسى (عليه السلام) الجازم أن الخضر أعلم منه، بشهادة الله تعالى لقوله تعالى، عندما قال موسى (عليه السلام) لا أعلم أ حداً أعلم منّي: بل عبدنا الخضر، وما خصّ علماً دون علم، بل عمّم. وكان موسى (عليه السلام) أولاً ما علم أن استعداده لا يقبل شيئاً من علوم الخضر (عليه السلام) وأمَّا الخضر (عليه السلام) فإنه علم ذلك أول وهلة فقال: ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾[الكهف: 18/ 67].

وهذا من شواهد علميّة الخضر (عليه السلام) فلينظر العاقل إلى أدب هذين السيدين. قال موسى (عليه السلام) : ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾[الكهف: 18/ 66].

أي هل تأذن في اتباعك لأتعلم منك، ففي هذه الكلمات من حلاوة الأب م يذوقها كل سليم الذوق، وقال الخضر (عليه السلام): ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾[الكهف: 18/ 70].

وقال: فلا تسألني، وسكت، فيبقى موسى (عليه السلام) حيران متعطشاً؛ بل وعده أنه يحدث له ذكراً، أي علماً ب الحكمة فيما فعل، أو ذكراً بمعنى تذكراً، فإنه قيل: أن الخضر أعدَّ لموسى (عليه السلام) ألف مسألة ممّا كان وقع مثله لموسى (عليه السلام) فلم يصبر، حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما» أو كما قال. فإن خرق السفينة يشبه إلقاء أمّ موسى موسى في البحر، إذ كل من الفعلين ظاهرة الهلاك، وقتل الغلام كقتل القبطي، وإقامة الجدار بغير أجر كالسقي لبنات شعيب من غير أجر. ثم بعد الفعلة الثالثة من الخضر تبين لموسى (عليه السلام) أنه ليس فيه قابلية لحمل شيء من علوم الخضر (عليه السلام) فطلب الفراق بسؤاله ثالثاً كما ورد في الصحيح، كانت الأولى من موسى نسياناً، والثانية شرطاً، والثالثة عمداً، وعندما أزمعا الفراق، ووقفا للوداع، قال الخضر لموسى (عليه السلام) أنت على علم علّمك الله لا ينبغي لي أن أعلمه، وأنا على علم علمّني الله لا ينبغي لك أن تعلمه، يريد أنت على علم الرسالة، وملاحظة الأسباب في الأفعال والتروك والحكم بالشاهد واليمين، والإقرار والإنكار، ونحو ذلك من الوقوف مع ظواهر الأشياء، مأمور بسياسة بني إسرائيل، والتنزل لعقولهم، فلا ينبغي لي أن أعلمه، بمعنى لا فائدة لي في العلم به، إذ العلم المتعلّق بالأكوان إنم يراد للعمل به، وأنا مأمور بالحكم بخلافه، وهو الحكم بالكشف وملاحظة الأمور والأسباب الغائبة، وبما يرد على القلب من الخواطر الربّانية التي لا تخطئ، فل ينبغي لك أن تعلمه لأنك مأمور بالحكم بخلافه، وهذا الاختلاف بينهما إنما هو في العلوم المتعلقة بالأكوان؛ وأما العلم بالذات العلّية، والصفات الإلهية، فكل منهم على غاية الكمال، كما يليق بمقام النبوّة، وبمقام الولاية العظمى مقام القربة، وهو للأفراد، والخضر (عليه السلام) منهم، فإن الخضر غير نبيّ بلا شك عندي، وكما هو عند المحققين من علماء الباطن و الظاهر. وعلى ما قدّمناه، فأكملية الشيخ في العلم المطلوب منه، المقصود لأجله، لا تغني عن المريد شيئاً، إذا لم يكن ممتثلاً لأوامر الشيخ، مجتنباً لنواهيه:

وما ينفع الأصل من هاشم            إذا كانت النفس من بَاهِله

وإنما تنفع أكملية الشيخ من حيث الدلالة الموصلة إلى المقصود. وإلاَّ فالشيخ لا يعطي المريد إلاَّ ما أعطاه له استعداده، واستعداده منطو فيه وفي أعماله، كالطبيب الماهر، إذا حضر المريض وأمره بأدوية، فلم يستعملها المريض، فم عسى أن تغني عنه مهارة الطبيب؟ وعدم امتثال المريض دليل على أنَّ الله تعالى ما أراد شفاءه من علته، فإن الله إذا أراد أمراً هيّأ له أسبابه. وإنما وجب على المريد طلب الأكمل الأفضل من المشايخ، خشية أن يلقى قياده بيد جاهل بالطريق الموصل إلى المقصود، فيكون ذلك عَوْنًا على هلاكه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!