موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


141. الموقف الواحد والأربعون بعد المائة

قال تعالى: ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[البقرة: 284].

أخبر تعالى: أن كل مافي السموات ومافي الأرض من عالم المعاني إلى عالم الأجسام، إذ السماء كلّ ما علا حسّاً أو معنىً، ومابين ذلك من عالم الأرواح، وعالم المثال، وعالم الأجسام الطبيعية، ظهورات وتعيّنات. وهو تعالى الظاهر المتعيّن بجميع ذلك. واللام للاختصاص الحقيقي، فلا ظاهر ولا م تعّين بها سواه، فهي شؤونه التي يتقلّب بها وفيها، كما قال تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾[الرحمن: 29].

أي كلّ آن لا يتجزأ ولا ينقسم إلى ماض ومستقبل، هو تعالى ظاهر بشأن ومتعين بحال.

﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾

أي تظهروا ما في أنفسكم من نسبة الربوبية والحقية، إذ لكل مخلوق نسبتان: حقيّة وخلقية، فتتعلقون بنسبة الربّية المحضة و الوحدة المطلقة، فتصيرون إلى الإلحاد والزندقة، وتمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، فتتركون الشرائع وما جاءت به الرسل من الأمر والنهى، وتلغون حكمة الله تعالى في التكاليف و الأحكام الوضعيّة، وتعطلون اسمه تعالى " الحكيم" بل وإمام الأسماء "العليم". "أو تخفوه" أي تخفوا ما في أنفسكم من نسبة الربوبية والحقية، وتتعلقون بما فيكم من نسبة العبدية والخلقية، فتقيمون الأحكام الشرعية، وتقفون عند الحدود الوضعية، فتحلون ما أحلت الشرائع وتحرمون ما حرمت، غير أن منك م مع هذا من يعتقد أنه يخلق أفعاله الاختيارية أو أن له قدرة وكسباً في الفعل، أو أن له جزأً اختيارياً، أو أن له قدرة تؤثر في صفة الفعل لا في الفعل نفسه،  أو أنه مجبور على الفعل أو نحو ذلك.

﴿يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾

أي يحاسب الذين أبدوا ما في أنفسهم والذين أخفوه. والحساب هنا أعم من قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾[الانشقاق: 8- 9].

ومن قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((من حوسب عذب)).

فيغفر لمن يشاء من الطوائف التي أخفت مافي أنفسها، ويعذّب من يشاء من الطوائف التي أبدت ما في أنفسها من الربوبيّة، وهم الزنادقة، وهم على فرق كثيرة. وأما الطائفة الثالثة، وهي مفهومة من تقسيم الآية، إذ كلّ متقابلين لابدَّ أن يكون بينهما أمر ثالث جامع بينهما، لا هو عينهما، ولا غيرهما. ومن قوله تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً﴾[الواقعة: 7].

فهم السابقون المقربون، والطائفة التي أخفت هم المصلُون. والطائفة التي أبدت هم السكّيتون، الذين لا قسمة لهم في الخير. وهذه الطائفة جمعت بين الأمرين ونظرت بعينين وطارت بجناحين، فأبدت وأخفت، أبدت ما فيها من النسبة الربية الحقية في بواطنها، فتّبرأت من نسبة الوجود والأفعال إليها، من حيث صورها، ونسبة الوجود وتوابع الوجود إلى باريها، فأعطت القوس باريها، ونادى منادي الفناء على صورها: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً﴾[مريم: 98].

فلم يبق وجود وفعل إلاَّ لحقهم الفاعل الحق في بواطنهم، وأخفوا ما فيهم من نسبة الربوبية والحقية فيما بينهم وبين الخلق،  فالتزموا أوصاف العبوديّة وقاموا بتكاليف الربوبيّة، قاموا حتى تورمت أقدامهم، وصاموا حتى لزقت بطونهم بظهورهم،  وشدوا عليها الحجارة من الجوع، وبكوا حتى خضبت دموعهم لحاهم. عضّوا على الشرائع بالنواجذ، وأعطوا كلّ ذي حق حقّه من الشريعة و الحقيقة، فمن رأى ظواهرهم قال: قدرية، ومن رأى بواطنهم قال: جبرية: ومن سمع كلامهم قال: أشعرية ما تريدية، فهذه الطائفة لا توقف لحساب، ولا تكلّف بسؤال ولا جواب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!