موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


136. الموقف السادس والثلاثون بعد المائة

روي في صحيح البخاري ومسلم (رضي الله عنه) في حديث جبريل المشهور،  أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام والإيمان و الإحسان، فقال: ما الإحسان؟ فأجابه (عليه السلام) : ((الإحسان أن تعبد الله كأنَّك تراه. فإن لم تكن تراه؛ فإنَّه يراك)).

فاعلم أن الإحسان مقام جليل، ولذا تكرّر في القرآن ذكره، والثناء على المتّصف به، كقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة: 2/195 [المائدة:5/13]﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى﴾[يونس: 10/26].

ونحو ذلك، وهو مشتمل على مقامات. وخصَّ (صلى الله عليه وسلم) هذين المقامين، لأنهما أساس لما بعدهما من المقامات، فقوله (صلى الله عليه وسلم) أن تعبد الله.... إلى آخره، يريد وجوب إيقاع العبادة على النحو المذكور بعد، كوجوب الإسلام والإيمان. فيجب السعي في تحصيل مقام الإحسان بتحصيل أسبابه، وتحصيل غير بعيد لمن أراد الله تعالى به خيراً، وذلك واجب بإجماع العارفين بالله تعالى ـ ، بل والفقهاء، من حيث أنهم مجمعون على وجوب النيّة وهي القصد إلى العبادة، ولاشكَّ أن العابد لا يعبد من لا يعرفه، ولا بوجه، وإذا عرفه استحضره على حسب معرفته. وذلك ضرب من الإحسان. ومقام الإحسان أشرف وأعلى من مقام الإيمان إلاَّ من حيث التقدّم فالإيمان أشرف، ومقام الإيمان أعلى وأشرف من مقام الإسلام، على القول بتباينهما، فالإحسان باطن الإيمان ولبّه، والإيمان باطن الإسلام ولبّه، فالإحسان لب اللّب، وكما أن الإسلام لا يغني عن الإيمان، ولا يوجب السعادة، فكذل كالإيمان من غير إحسان، ل يوجب السعادة، أعني السعادة الخالصة. وقوله: "كأنك": "كأن" هنا هي للتحقيق كما هو الأمر عليه في نفسه، وكما ذاقه من ذاقه من أهل الكشف و العرفان. فهي هنا كما هو الأمر عليه في نفسه، وكما ذاقه من ذاقه من أهل الكشف و العرفان. فهي هنا كما هي في قول الشاعر يرثي هاشماً جدَّ النبي (صلى الله عليه وسلم):

فأصبح بطن مكّة مقشعّرا            كأنَّ الأرضَ ليس بها هشام

ويصح أن يكون جواب السائل. ثم بقوله: ((أن تعبد الله كأنك تراه)).

وقوله: ((فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).

زيادة منه (صلى الله عليه وسلم) لبيان أن بعد هذه المرتبة ثلاث مراتبن أو قل إحدى مشاهدات الشهود: الأوّل هو الذي وقع السؤال عنه، و الجواب الثاني أن يشهد العابد الحق تعالى جميع قواه التي يفع لبها، ويقول الثالث : أن يشهد العابد الحق تعالى فاعلاً به، فلا خروج لصاحب مقام الإحسان عن هذه الثلاث المشاهدات: الأولى تعليم وتدريج، والثانية والثالثة هما حقيقة الأمر. فقوله: ((تراه)) أصله ترى به. حذف الجار فاتصل الضمير بالفعل، كما في قوله: ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾[يس: 36/39].

أي قدّرناه، وقوله: ﴿تَبْغُونَهَا عِوَجا﴾[آل عمران: 99].

أي عنها عوجا. وهو أن يشهد العابد نفسه حال العبادة، بل وفي غيرها من سائر الأفعال والإدراكات، أنه بالله. بمعنى أنه يشهد الحق تعالى قدرته وسمعه وبصره، وجميع قواه وأعضائه الظاهرة والباطنة، فلا يرى فعلاً له ولا لغيره ول إدراك إلاَّ بالله. فيكون العبد ظاهراً، والحق باطناً، وهذا المقام هو المسمى عند القوم (رضوان الله عليهم) بقرب النوافل، وهو ثابت ذوقاً ووجداناً. ودليله من السّنة، قوله: (صلى الله عليه وسلم): فيما يرويه عن ربّه: وهو في الصحاح:

((ما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به. ولسانه الذي ينطق به....). إلى آخر الحديث.

فذكر قوى العبد الباطنة، وأعضاءه الظاهرة. وصاحب هذا المقام ما تخلص بعد، ففيه بقية نفس هي الفاعلة بالحق تعالى والسميعة به، والبصيرة به، إلى آخر القوى والأعضاء، إذ لولا شهود نفسه ما جاء الضمير في قوله سمعه، بصره، لسانه، فإن الضمير يعود على لا شيء.

قوله: ((فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) هو تعريف للمقام الثالث من مقامات الإحسان، أي أن لم تكن لك نفس، ولم تبق فيك بقيّة، ولك مغايرة للوجود الحق، ولم تكن لك حقيقة ترى بها كما في المقام الأول، فإنه يراك، أي يرى بك. حذف الجار، واتصل الضمير كما تقدم. وفي هذا المقام يشهد العابد نفسه وقواه الباطنة وأعضاءه الظاهرة، آلة الحقّ. و الحق تعالى المصرف لها، المؤثر بها، فيسمع بسمع العبد، ويبصر ببصره، ويتكلّم بلسانه، إلى آخر الإدراكات. فيكون الحق تعالى ظاهراً، و العبد باطناً. وهذا يسمّى بقرب الفرائض. ودليل هذا المقام بعد الذوق والوجدان، قوله تعالى: ﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ﴾[التوبة: 9/ 6].

وما سمع هذا الأحد الكلام في ظاهر الأمر، إلاَّ من صورة محمد (صلى الله عليه وسلم) فالمتكلم الله، بلسان محمد، وقوله: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾[التوبة: 9/14].

فالمعذب الله بأيدي الصحابة (رضي الله عنه) وفي الصحيح: أن الله قال على لسان عبده: ((سمع الله لمن حمده)).

وقد أخبر الوارد: أن هذا المعنى لهذا الحديث ما تقدم لأحد كتابته. والله أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!