موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


130. الموقف الثلاثون بعد المائة

قال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[الأعراف: 7/ 199- 200].

ورد في الخبر : أنه صلى الله عليه وسلم سئل، عن معنى الآية، فقال: حتى أسأل جبريل (عليه السلام)، فقال: حتى أسأل ربَّ العزة، فرجع جبريل فقال: يا محمد، إنَّ الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ولذا ورد أنه (صلى الله عليه وسلم): قال: ((أَدّبني ربّي فأحسن تأديبي)).

خرّجه السمعاني . يريد هذه الآية وأمثالها. و أمَّا ما تشير إليه الآية بطريق الاعتبار، فهو أنَّه تعالى أمر رسوله (صلى الله عليه وسلم) وكلّ من قوي في متابعته، واقتفى أثره من كمّل أمته، فإنَّ أمر الله تعالى له أمر لأمتّه ممن يناسبه ذلك الأمر إلاَّ ما ثبت اختصاصه به دون أحد من أمته. فأمره تعالى في حق نفسه: بالأخذ بالعفو، أي بالزائد من العفو، بمعنى الزيادة والكثرة، فيأخذ نفسه بالزايد على ما يحصل به الأجزاء وتسقط به المطالبة، وهو الأكمل والأحسن والأفضل، فلا ينحط إلى رتبة الحسن دون الأحسن، ولا إلى الكامل دون الأكمل، ولا إلى الفاضل دون الأفضل، بل أمره (صلى الله عليه وسلم) بمعالي الأمور وعزائم الأحكام، كم أمَره أن يدفع بالتي هي أحسن، وأمَرَه هو (صلى الله عليه وسلم) والكاملين من أمته باتباع أحسن ما أنزل إليهم من ربهم قال تعالى: ﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم﴾[ا لزمر: 39/55].

والأمر بالشيء نهي عن ضدّه، فلا ينحطوا إلى الرخص، التي هي مراتب الضعفاء فيحصلوا على الأجزاء، دون الأفضلية والأكملية.

والأمر بالمعروف تصريح بما يفهم من قوله: "خذ العفو".

فإنه حيث أمر في نفسه بالأكمل الأفضل، يفهم منه: أن الأمر لغيره ل يكون كذلك بل أمره لغيره يكون بالعرف، بمعنى ماهو حسن شرعاً وعرفاً، يحصل به الإجزاء، وينتفي به الذم، وتسقط المطالبة. فلا يأمره بما يشق عليهم ممّا تمتنع منه نفوس العامّة، وهذا للضعفاء ذوي الهمم الدنيئة، الراضين بالأدون. وقد ثبت في غير ما خبر: أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يأمر عامّة الناس بالأسهل و الأهون، ويقول: بعثت بالحنيفيّة السمحة السهلة. ويأخذ نفسه بالأفضل الأشقّ. فقد قام حتى تورّمت قدماه. وقال لغيره: «قم ونم» وشدَّ الحجر على بطنه من الجوع، وأذن لغيره في الإدخار. وكان يواصل وينهي غيره عن الوصال.

﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ أمر له (صلى الله عليه وسلم) ولمن اقتفى أثره، في الأخذ بالعزايم وركوب المشاقّ، في طلب الأفضل والأكمل، بالإعراض عن الجاهلين، من الأناسي الذين يعذلونهم في طريقهم، فيقولون مثلاً: ارفق بنفسك، قد شدّدت، قد أفرطت... والإعراض عنهم أن يولّوهم عرض وجوههم فلا يواجهوهم لا بفعل، ول بقول، ولا بجدال، ولا غيره، وهذا شائع مشاهد. فكلّ من اتبع سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واقتفى أثره في أحواله كالسادة الصوفية، كثر عاذله، وعدم عاذره، بل تقام عليه القيامة بكلّ معتبة وملامة، ومن ذاق ثمرات تلك الطريق، وأنس بذلك الفريق، لا يرده راد و لا يصرفه صارف.

﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾[الأعراف: 7/200].

الخطاب له (صلى الله عليه وسلم) والمراد من اقتفى أثره من كمّل أتباعه لعصمته (صلى الله عليه وسلم) من نزغ الشيطان. أي إذا أحسستم بوسوسة الشيطان وإفساده طريقتكم بتزيينه لكم اتباع الرخص، و النزول من الرتب العلية إلى ما دونه من الرتب الدنية، ووجدتم في الهمة فتوراً، وفي العزم تردداً ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ﴾.

تحصّن بالله من نزغه وإفساده، وصمّم على طريقتك المثلى، ولا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأعلى. والله تعالى بفضله كافيك شره، وحاميك ضره.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!