موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


108. الموقف الثامن بعد المائة

قال تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾[الحديد: 57/ 3].

اعلم أن الأولية والآخرية بالنسبة إلى الممكنات هي نسبة وإضافة، فالأول أول بالنسبة إلى ما بعده، والآخر آخر بالنسبة إلى ما قبله، وقد يكون الممكن أولاً وآخراً بنسبتين مختلفتين، و أمَّا أولية الحق تعالى أوّلاً كسائر أسمائه، ل باعتبار موجود، إذ لو كانت أوليته ونحوها بالنسبة إلى الممكنات لكانت الممكنات ثانية له، وليس الأمر على هذا. أو أوّل باعتبار أنَّ كل ما سواه منه ابتداؤه. وآخريته هي عبارة عن رجوع الأمور كلّها إليه، كما قال: ﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ﴾[الشورى: 42/ 53].﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ﴾[هود: 11/ 123].

وليس الشأن في أوّليته وآخريته بهذا المعنى، وإنما الشأن في أوليته التي تجامع آخريته وآخريته التي تجامع أوليته، إذ هذه هي الخصيصة بالألوهية،  وهي التي عرف الإله بها، وهي الجمع بين الضدين. وليس المراد أنها عين تجمع الضدين، بل هي عين الضدين تظهر بهما معاً، فهو أول من حيث ماهو آخر وآخر من حيث ماهو أوّل، والعين واحدة لا من نسبتين، بل من نسبة و احدة، وأنه تعالى مع كل شيء، لا يتقدم عن شيء ولا يتأخر عن شيء، ولا يتجزأ، ول يتبّعض. فنسبة الذات إلى الموجودات العينية و العلمية نسبة واحدة، ليس للموجودات تقدم ولا تأخر بالنسبة إليها، فآخريته عين أوليته، أو لا أوّلية ولا آخرية، و الحصر المستفاد من تعريف الجزءين يفيد أنه لا أوّل إلاَّ هو ولا آخر إلاَّ هو، فكل أوّل وآخر هو، ولا آخر، إذ الممكنات لا نهاية لها، فهي متجّددة لا إلى آخر، وهذ هو الذي حيّر العقول وما قبلته، وكذا الظاهر والباطن،  فهو ظاهر من حيث ماهو باطن، وباطن من حيث ماهو ظاهر من جهة واحدة، فظهوره عين بطونه، وبطونه عين ظهوره، من حيث الجمع الذاتي، ولكّل واحد منهما أحكام وخصوصيات، من حيث الفرق الصفاتي، هذه الجملة لَقّننيها الحق في النوم فألحقتها. فالاسم الباطن هو النفس الرحماني، والاسم الظاهر هو العماء. و النفس عين العما، ولكن تبدلت صورته التي هي أمر اعتباري، والعماء عين العالم، فالباطن عين الظاهر، والظاهر عين الباطن، والآية مصرحة بهذا كما قدّمنا، فلا ظاهر إلاَّ هو ولا باطن إلاَّ هو فكل باطن وظاهر هو، فهو الشاهد والمشهود والشهادة. ولا نقول: ظاهر بأسمائه باطن بذاته، كما يقول الفقيه، لأن الأسماء أمور معنوية يستحيل ظهوره دون الذات المسماة بها، فهو الظاهر بالذات، الباطن بالذات، الظاهر للأبصار والبصائر، الباطن عن الأبصار والبصائر، فأين الله وأين العالم؟! فما ثمَّ إلاَّ الله المسمّى بالعالم، فهو الظاهر في عين العالم، والعالم مظهر له. وكل ظاهر في مظهر فقد انضم الظاهر إلى المظهر من غير حلول ولا اتحاد ولا امتزاج، وكيف يتّحد الوجود بالعدم؟ أم كيف يحل الحدوث في القدم؟ وقد كان الحق باطناً فأظهر نفسه بالعالم، فصار ظاهراً لأنَّ العالم صورته. وهذا معنى قولهم: علم نفسه، فعلم العالم من علمه بنفسه،  إذ ليس العالم بشيء زائد عليه تعالى ، قال الشيخ الأكبر (رضي الله عنه):

نحن المظاهر والمعبود ظاهرن

ومظهر الكون عين الكون فاعتبرو

ولست أعبده إلاَّ بصورته

 

فهو الإله الذي في طيه البشر

وقال أيضاً:

فلا تفر ولا تركن إلى طلب

فكل شيء تراه ذلك الله

وقال أيضاً:

فما ثمَّ إلاَّ الله والكون حادث

 

وما ثم إلاَّ الكون والله ظاهر

وما العلم إلاَّ الجهل بالله فاعتصم

بقولي فإني عن قريب أسافر

فظهور الحق تعالى بذاته مسمّى بأسماء العالم، متصفًا بصفاته، هو حجابه وبطونه، ولو ظهر بأسمائه وصفاته ماكان للعالم عين ولا اسم، فهو كالواحد ينشئ الأعداد إلى غير نهاية بذاته دون اسمه، إذ ليس العدد إلاَّ الواحد المنتقل في مراتب الأعداد، متسميّاً بأسماء المراتب كالاثنين والثلاثة، إلى ما لا يتناهى، ولو ظهر باسمه وقيل: واحد لبطل العدد، فمن تجلّى الحق تعالى عليه باسمه الظاهر، رأى الحق تعالى في كل شيء من ذرات العالم علوي وسفلي، وما زهد في شيء، ولا طلب الاحتجاب عن شيء، وهذا هو الذي يرى الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة، يعني أنه يرى الواحد الحقيقي كثيراً بنسبه وأسمائه واعتباراته، ويرى الكثير واحداً باعتبار رجوع الكثرة إلى العين الواحدة وحدة حقيقية. وكذا الجاهل يرى الحق تعالى لأنه عين كل ما يرى، ولكن لا يعرفه. فهو يكلم الحق تعالى ويكلّمه، وهو معه في كل حركة وسكون، وهو جاهل به، فالفارق بينهما العلم و الجهل، لا غير. وحيث كان الأمر كما قلنا وقاله كل عارف بالله، فأين الحجاب؟ وليس إلاَّ الحق تعالى ؟! فهو ل يحتجب عنه شيء ولا يحجبه شيء، ولا يصح أن يقبل الحجاب ولا أن يكون غيره محجوباً عنه فإنه لا غير،  وما ورد من ذكر الحجب النورية والظلمانية وعدّها بسبعين وسبعمائة وبسبعين ألفاً، وقول جبريل بيني وبينه سبعون حجاباً لو وصلت إلى أدناها لاحترقت، وأنه لولا الحجب لأحرقت سبحات وجهه م أدركه بصره من خلقه، فقد قال شيخنا محي الدين (رضي الله عنه): حقيقة سبحات الوجه هي دلائل ذاتية إذا ظهرت نسباً لا أعياناً، فتّبين أنه عين تل كالأعيان أعني الوجه فزال الجهل الذي كانت ثمرته: أن العالم ما هو عين الوجه، فبقي العالم على صورته، ثم تذهبه السبحات، بل أثبتته وأبانت عن الحق ما هو. انتهى.

قول: ما ذكره سيدنا ظاهر في حق من يمكن أن يكون عليه حجاب، فتحرقه السبحات فيزول، فيقال: كان في حجاب ثم احترق وزال، وأما في حق من لا يصح في حقه حجاب، دون شهوده، كالملك والنبيّ، فغير ظاهر، لأنَّ معرفة النبي و الملك بالله تعالى ضرورية فطرية، لا يقال إنهم كانوا في حجاب ثم احترق وزال. وعندي أن الحجب في حق النبي و الملك إنما هي مظاهر هيبة وجلال وعظمة، بحيث لا تمكن مشاهدته لخصوصية ذاتيّة لها، فهي تفني مشاهدها وتمحقه وتسحقه. وأما غير الملك والنبيّ فم حجابه إلاَّ الجهل، لظهوره الظهور الذي لا يتصوّر مثله ظهور، وقربه القرب الذي ل يماثله قرب، واتصافه بصفات المحدثات، وتسميه بأسمائها، فجهل لذلك وانحجب واستتر، والجهل لا عين لهن فإنه عدم العلم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً﴾[الإسراء: 17/ 45].

أي مجهولاً، لأنه لو كان المراد: أنَّ الحجاب عليه ساتر يستره، ماكان المستور حجاباً، ولكان الساتر أولى باسم الحجاب، فليس الحجاب المستور إلاَّ الجهل لا غير، وأمَّا الاسم الباطن فالتجلي فيه ممنوع جملة واحدة، ما تجلى فيه لأحد سواه.

قيل لي في الواقعة يوم تقييدي لهذا الموقف: "لو كان الحق متجلياً لأحد من خلقه، لتجلّى للعلماء"، فعرفت أن المراد بالتجلّي، التجلّي الممنوع، وهو التجلّي من حيث الاسم الباطن، وأنَّ المراد بالعلماء العلماء بالله تعالى ، الذين هم أعلى من العارفين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!