موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

متناقضة إي بي آر (EPR Paradox)


إنّ نظريّات الفيزياء، التي تعتمد بشكلٍ رئيسيٍّ على تفسير الحركة وعلاقتها بالزّمن، أثبتت نجاحها على مدى عدّة قرون، فاستطاع العلماء صنع آلات وأجهزة معقّدة ومتناغمة تسير بدقّة متناهية، وإرسال مراكب فضائية إلى القمر والكواكب الأخرى فنزلت على سطح هذه الكواكب وأدّت مهمّاتها بدقة عظيمة. وبالتالي فإنّ إهمال متناقضات زينون حول الحركة لم يكن له نتائج سلبيّة على الفيزياء التطبيقيّة مطلقاً. ولكن مع ذلك لا توجد نظريّةٌ واحدةٌ استطاعت حتى الآن أن تفسّر جميع الملاحظات خاصّةً فيما يتعلق بالجسيمات الأوّليّة حيث ظهرت هناك متناقضاتٌ جديدةٌ ما زالت عصيَّةً على الحلّ.

وربّما يكون أحد أهمّ الاختبارات لنظريّة الجوهر الفرد ومفهوم ابن العربي للزّمن والخلق الجديد هو قدرتها على حلّ متناقضة إي بي آر (Einstein-Podolsky-Rosen Paradox) التي تُظهر التناقض بين النظريتين الرئيسيتين في الفيزياء: نظريّة الكمّ والنظريّة النسبيّة. فتُعتبر نظريّة الكمّ إحدى أكثر النظريّات الناجحة في العلم الحديث؛ حيث إنّها استطاعت أن تفسّر تركيبَ الذرّة وخواصَّ المادّة والجسيمات الأوّليّة بل وحتّى النجوم والمجرّات. ولكن على الرغم من أنّها اتفقت عموماً مع نتائج العديد من التجارب عبر عقود طويلة من الزّمن، إلاّ أنّ المبادئ الأساسية لميكانيكا الكمّ يمكن أن تؤدّي إلى بعض المتناقضات المحيّرة والنتائج الغير مقبولة، مثل متناقضة إي بي آر.

في عام 1935 قام ثلاثة علماء كبار هم آينشتاين وبودولفسكي وروزن في مقالة شهيرة[608] بطرح السؤال: هل يمكن أن يكون وصف ميكانيكا الكمّ للطبيعية كاملاً ؟ حيث اقترحوا تجربة فكرية (thought experiment) يوضّحون فيها وجود نقصٍ في ميكانيكا الكمّ. أصبحت هذه المسألة تُعرف باسم متناقضة إي بي آر وقد أدّت إلى الكثير من الأبحاث والتجارب ولا يزال البحث فيها مستمرّاً بكثافة حتى الآن.

لقد كان الهدف من تجربة إي بي آر الفكريّة أن تعرّي الخواصّ العميقة للوصف الكمّيّ لجملة طبيعية مغلقة تمتدّ على منطقة كبيرة من الفضاء؛ حيث يبدو، ضمن شروط معيّنة, أنّه يمكن نظرياً لعناصر جملة طبيعية مؤلّفة من جزيئين مترابطين أن يتبادلا المعلومات بشكلٍ آنيّ أو على الأقل بشكلٍ أسرع من الضوء مما يناقض أسس نظريّة آينشتاين النسبيّة، الذي يفترض بأنّ سرعة الضوء سرعةً حدّيّةً قصوى. وكذلك فإنّ مثل هذا التصرّف من هذين الجزيئين المترابطين ينتهك مبدأ الشكّ أو ما يعرف بمبدأ هايزنبرك (Heisenburg Uncertainty Principle) الذي يؤكّد أنّنا لا يمكن أن نقيس جميع خواصّ الجملة (مثل الموقع والسرعة) بدقة متناهية حتى من الناحية النظريّة.

واستناداً إلى هذه المتناقضات رفضت مجموعة إي بي آر هذه الطبيعة الحتميّة لميكانيكا الكمّ وافترضت وجود متغيّرات خفيّة (Hidden Variables) لا تزال مجهولة عن الجملة المغلقة بحيث يجب استكمالها حتى يستطيع ميكانيكا الكمّ وصف الجملة المغلقة بشكل صحيح. ولكنّ أحد مؤسّسي نظريّة الكمّ نيلز بوهر فضّل التفسير الذي اتُّفق عليه في كوبنهاكن ورفض فكرة المتغيّرات الخفيّة.[609]

في عام 1964 اقترح جون بيل آليّةً رياضيّةً لاختبار وجود هذه المتغيّرات الخفيّة، فتوصّل إلى معادلات فيها متراجحة (لا مساواة) استُعملت كقاعدةٍ لهذا الاختبار.[610] تلا ذلك محاولات كثيرة لتحويل هذه المعادلات إلى تجارب عملية لتحقيق هذا المبدأ، فكان أوّل نجاحٍ ملحوظٍ لمثل هذه التجارب هو ما قام به ألين أسبيكت (Alain Aspect) وزملاؤه في فرنسا سنة 1982.[611]

اشتملت تجربة أسبيكت على قياس استقطاب أزواج الفوتونات التي تنبعث بشكل آنيّ من خلال إثارة ذرّات الكالسيوم ثم جُبرت على سلوك طريقين مختلفين بعيدين عن بعضهما ثمّ مُرّرت من خلال الكاشفات الحسّاسة على كلّ جانب. أوضحت جميع التجارب والقياسات أن نتائج التجربة انتهكت بشكل واضح متراجحة بيل مما ينفي فكرة المتغيّرات الخفيّة ويدعم تنبّؤات ميكانيكا الكمّ التي تنتهك من ناحية أخرى مبدأ آينشتاين أنّ سرعة الضوء حدّيّة قصوى وكذلك تتعارض مع الحسّ العام لأنّها توضّح أنّ الفوتونات تبدو وكأنّها مرتبطة مع بعضها بشكل آنيّ رغم بُعد المسافة بينها. فأوضحت التجربة كما لو أنّ الفوتونات على الجهة اليسرى تكتشف بطريقة ما كيفيّة سلوك الفوتونات على الجهة اليمنى فتتصرّف دائماً بشكلٍ يتوافق معها، مع إنّه في واقع الأمر ليس هناك أيّ إمكانيّة لتبادل المعلومات بين الطرفين لا بسرعة الضوء ولا بأقل أو أكثر منها.

بعد ذلك وبسبب غرابة مثل هذه النتائج قام بعض العلماء بمحاولة نقد هذه التجربة معتبرين أنّ نسبة الخطأ فيها ليس قليلة، ولكن لم تلبث أن أُجريت العديد من التجارب الأخرى الدقيقة وكلّها أدّت إلى نفس النتائج وأوضحت أنّ الزّمن يتوقّف فعليّاً بين زوج الجسيمات المترابطة التي تبدو بشكلٍ واضحٍ أنّها تتفاعل بشكل آنيّ على الرغم من المسافة الكبيرة بينهما. بالرغم من أن هذه النتيجة التجريبية تدعم المفاهيم الأساسيّة لنظريّة ميكانيكا الكمّ وتناقض مبدأ السرعة الحدّيّة للضوء في نظريّة النسبيّة لآينشتاين، لكن ليس هناك أيّ تفسير نظريّ كافٍ لها، حتى الآن.

يبدو من الواضح لنا الآن أنّ أحد أهمّ النتائج المميّزة لمبدأ ابن العربي في إعادة الخلق من قبل الجوهر الفرد أنّ مثل هذا السلوك الآنيّ الغريب بين الجزيئين المترابطين يكون طبيعيّاً ويمكن تفسيره بسهولة شديدة. فلقد أوضحنا أنّه وِفق التدفّق الحقيقيّ للزمن ليس هناك أيّ حدثين يمكن أن يحدثا في نفس الوقت بالنسبة للأيّام الأصليّة، فليس هناك آنيّةٌ مطلقاً؛ لأنّه لا يصدر عن الواحد إلاّ واحد في الوقت الواحد. لكن بالنسبة للتدفّق المشهود للزمن كما نشهده نحن ونقيسه وفق الأيّام المكوّرة كما شرحناها في الفصل الرابع فيمكن أن يكون هناك عددٌ كبيرٌ من الأحداث تحدث في نفس الوقت بالنسبة لنا وذلك لأنّنا لا نكون فعليّاً موجودين أثناء خلق هذه الأحداث من قِبل الجوهر الفرد كما وضّحنا أعلاه. ففي كلّ لحظة بالنسبة لنا يقوم الجوهر الفرد بخلق صورة ساكنة واحدة للعالَم، ولكن بشكل متسلسل بالنسبة له لأنّه لا يظهر إلاّ بصورة واحدة في كلّ وقت، كما يقول الله تعالى في سورة الرَّحمن: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)﴾. ففي الحقيقة عندما يظهر الجوهر الفرد بصورة الجزيء الأوّل من الجزيئين المترابطين لا يكون الجزيء الثاني في الوجود أصلاً، وكذلك عندما يظهر بصورة الجزيء الثاني لا يكون الجزيء الأوّل في الوجود أيضاً، بمعنى أنّه ليس هناك أي استرخاء زمنيّ بينهما. وبما أنّهما يشكّلان معاً جملةً مغلقةً فإنّ أي تغيير في أحدهما يؤدّي إلى تغيير في الآخر؛ فعندما يقوم الجوهر الفرد بإنشائهما يقوم بذلك بطريقة بحيث تحفظ الوضع العامَّ لهذه الجملة دون تغيير، فإذا تغيّر أو عُرف وضع أحدهما تغيّر أو عُرف وضع الآخر، بغضّ النظر عن المسافة بينهما.

في الحقيقة إنّ الشرح السابق ينطبق على أيّ جملة مغلقة (كبيرة أو صغيرة) وليس فقط على هذه الجملة البسيطة للجزيئين المترابطين، لكنّ الأمر كان واضحاً في مثل هذه الجملة الصغيرة بسبب سهولة ملاحظة مثل هذه التغيّرات الدقيقة فيها. ففي الوضع الطبيعيّ إنّ عمليّة إعادة الخلق الكونيّة على العالَم جميعِه تعني أنّ أيّ تغيّر في جزءٍ منه يستدعي تغيّراً مناظراً آنيّاً (بالنسبة لنا) في أجزاءَ أخرى بحيث يبقى الوضع العامّ غير متغيّر، وذلك لأنّه جملة مغلقة ليس عليها أي تأثير من الخارج.

في الحقيقة إنّ هذا الوصف الأخير للعالَم هو تعبير أكثر دقّة عن مبدأ السببيّة، لأنّنا سنجد في الفقرة التالية أنّ السببيّة بشكلها الحاليّ تؤدّي أيضاً إلى تناقضات واضحة وفق مفهوم ابن العربي الجديد للحركة والخلق وإعادة الخلق.


[608] انظر المقالة الرئيسية لآينشتاين وبودولفسكي وروزن في:

A. Einstein, B. Podolsky, N. Rosen, 'Can Quantum-Mechanical Description of Physical Reality Be Considered Complete?',Physical Review41, 777 (15 May 1935).

[609] انظر ردَّ نيلز بوهر في:

N. Bohr, 'Can Quantum-Mechanical Description of Physical Reality Be Considered Complete?'Physical Review48, 696 (15 Oct 1935).

[610] انظر في:

J. Bell, 'On the Problem of Hidden Variables in Quantum Mechanics',Reviews of Modern Physics38 #3, 447 (July 1966).

[611] انظر في:

A. Aspect, Dalibard, G. Roger, 'Experimental Test of Bell's Inequalities Using Time-Varying Analyzers',Physical Review Letters 49, #25, 1804 (20 Dec. 1982).

وأيضاً:

A. Aspect, P. Grangier, G. Roger: 'Experimental Realisation of Einstein-Podolsky-Rosen-Bohm Gedanken Experiment; A New Violation of Bell's Inequalities',Physical Review Letters49 #2, 91 (12 July 1982).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!