موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

اليوم الأوّل من الخلق (يوم الأحد)


وهنا نبدأ بقصيدة من كتاب التنـزلات الموصليّة من الفصل 46 منه والذي يخصّصه ابن العربي لهذا اليوم الأوّل من الخلق:

سلامٌ على اليوم السعيد المعظَّمِ
هو الأحد المختار أوّل موجَدٍ
تسمّى بنعت الحقّ من دون غيره
به سرت الأرواح في كلّ مسلكٍ
تصدّى له قلب الوجود مِنِ أفقه
فأحيا به الأرواح في ملكوتها
وناطت به الأفراح منه فلا يُرى

وسلطان أيّام الوجود المنظّمِ
به البنية العليا دون التهدّمِ
مِنَ أمثاله فاختصّه بالتقدّمِ
فيدعى لها قطب الندى والتكرّمِ
فعلّمه من كلّ سرّ مكتّمِ
وأحيا به أهل اللظى والتجسّمِ
بمشهده أهل الأسى والتذرّمِ[314]

فيوم الأحد عن صفة السمع فلهذا ما في العالَم إلا من يسمع الأمر الإلهيَّ في حال عدمه بقوله "كن"،[315] ومن أهمّ ما يميّز هذا اليوم أنّ اسمه الأحد هو اسم من أسماء اللهالحسنى كما ورد في القرآن الكريم في سورة الإخلاص. والأحد يعني الواحد الذي لا يتجزّأ. وهذا هو اليوم الأوّل الذي بدأ فيه الله تعالى الخلق، لذلك فهو اليوم الأوّل في العالَم.[316]

وكما وضّحنا في الفصل الثّاني فإنّ أعيان العالَم كانت موجودة منذ الأزل في علم الله المسبق، وبهذه الطريقة فإنّ لها صفة السمع حتى قبل وجودها الفعلي وبهذه الصفة استطاعت سماع أمر الله تعالى لها بالتكوين؛ فصفة السمع هي الصفة الأساسية التي يجب أن تتّصف بها الأشياء حتى قبل وجودها الفعلي. لذلك فإنّ حركة يوم الأحد وُجدت من صفة السمع؛ لهذا فإنّ كلّ شيء في العالَم يسمع الأمر الإلهي "كن" حتى في حالة عدمه.[317] يقول الله تعالى في القرآن الكريم في سورة يس: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82)﴾. فأمرُ الله يتوجّه على من يسمعه فيطيعه، فالله تعالى يخلق بالقول للشيء "كن" فيكون. ولكنّ ابن العربي يؤكّد على ضرورة التمييز بين "القول" و"الكلام" حيث يقول إنه بالقول يسمع المعدوم وهو قوله تعالى في سورة النحل: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)﴾، وبالكلام يسمع الموجود وهو قوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)﴾.[318]

وكما وضّحنا من قبل في الفصول السابقة، فإنّ ابن العربي يؤكّد بأنّ حركة الفلك الأطلس حدّدت فقط يوماً واحداً كانت بدايته من مقابلة الدرجة الأولى من الجوزاء للقَدَم في الكرسي، لذلك فإنّ طول هذا اليوم لا يمكن تحديده لأنّه لا يوجد إشارة في الفلك الأطلس يمكن استخدامها للقياس.[319] وبالتالي فإنّ تقسيمنا على الأرض اليوم عادة إلى ساعات ودقائق هذا كلّه أمرٌ اصطلاحي بينما الطول الفعلي لليوم لا يعرفه إلا الله وبعض العالَم العلوي الموجودون فوق الفلك الأطلس.[320]

كذلك يوضّح ابن العربي في مكان آخر بأنّ الشمس وفلكها السماوي خُلقت يوم الأحد،[321] وذلك لأن الشمس تشبه الروح،[322] والروح المطلقة (وهي الحقّ المخلوق به) هي المظهر أو التجلّي الأوّل للحق تعالى فيما يخص الخلق، لذلك فإنّه بهذه الحركة المبدَعة الأوّلية لهذا اليوم الأوّل الأحد ظهرت "النقطة" للوجود وهي النقطة الهندسية التي ليس لها أبعاد، وسوف نجد أنّه مع كلّ يوم من بقيّة الأيّام تبدأ الأبعاد بالظهور تباعاً حتى تكمل ثلاثة أبعاد أو ستّ جهات. وسوف نخصص فقرة مفصّلة لهذا الموضوع في آخر الفصل الأخير إن شاء الله تعالى.

من جهة أخرى يقول ابن العربي إنّ الشمس في السماء الرابعة وهي السماء المركزية بالنسبة إلى الأرض، وهذه السماء خُلقت بالتجلي الذاتي للاسم الإلهي النور، ويقول إنّ هذا الاسم النور توجّه على إيجاد السماء الرابعة وهي قلب العالَم وقلب السموات فأظهر عينها يوم الأحد وأسكن فيها قطب الأرواح الإنسانية وهو إدريس عليه السلام، وسمى الله هذه السماء "مكاناً عليّاً" لكونها قلباً فإنّ التي فوقها أعلى منها فأراد علوّ مكانة المكان فلهذا فإنّ المكان من المكانة رتبة العلو، وأوجده في منـزلة السمّاك (وهي المنـزلة الرابعة عشر للقمر) وأظهر كوكبها وفلكها وكوّن حرف النون عنها وأظهر بحركة كوكبها الليل والنهار؛ فقسّم اليوم، فتقسّم فيه الحكم الإلهي في العالَم. فجعل كلّ واحد منهما أنثى والآخر ذكراً لإنتاج ما يظهر في الأركان من المولّدات؛فكلّ ما وُلد وظهر من الآثار عموماً في الأيّام كلّها بالنهار فأمّه النهار وأبوه الليل وما ظهرمن ذلك بالليل فأمّه الليل وأبوه النهار، فيولج الليل في النهار إذا كان النهار أنثى ويولج النهار في الليل إذا كان الليل أنثى.

وقد بيّن ابن العربي هذا التوالج في كتاب أيّام الشأن وسوف نعود له بالتفصيل في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى. ولكن يقول ابن العربي هنا إنّ كلّ ما ظهر من العلموالآثار في المولّدات يوم الأحد فمن هذه السماء الرابعة وساكنها لا بل في كل يوم وفي كل العالَم الذي تحت حيطته (لأنّه أصل الأيّام)، ولا يخنس كوكبها (أي الشمس) أبداً.[323]

كذلك يبيّن ابن العربي العلاقة والتوافق بين السماء الرابعة وهذا اليوم والإقليم الجغرافي الموافق على الأرض والبدل الموكّل به من الأبدال السبعة، كما وضّحنا في الجدول أعلاه. فيقول ابن العربي في الباب الخامس عشر في معرفة الأنفاس ومعرفة أقطابها المتحقّقين بها وأسرارهم إن ثَمَّ رجالاً سبعةً يقال لهم الأبدال يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة لكل بدل إقليم وإليهم تنظر روحانيات السموات السبع ولكل شخص منهم قوّة من روحانيات الأنبياء الكائنين في هذه السموات وهم إبراهيم الخليل (في السماء الأولى من أعلى) يليه موسى يليه هارون يتلوه إدريس يتلوه يوسف يتلوه عيسى يتلوه آدم سلام الله عليهم أجمعين. وأمّا يحيى فله تردّد بين عيسى وبين هارون. فينـزل على قلوب هؤلاء الأبدال السبعة من حقائق هؤلاء الأنبياء عليهم السلام وتنظر إليهم هذه الكواكب السبعة بما أودع الله تعالى في سباحتها في أفلاكها وبما أودع الله في حركات هذه السموات السبع من الأسرار والعلوم والآثار العلوية والسفلية. قال تعالى في سورة فصّلت: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)﴾، فلهم في قلوبهم في كلّ ساعة وفي كلّ يوم بحسب ما يعطيه صاحب تلك الساعة وسلطان ذلك اليوم. فكلّ أمرٍ علميٍّ يكون في يوم الأحد فمن مادّة إدريس عليه السلام وكل أثر علوي يكون في ذلك اليوم في عنصر الهواء والنار فمن سباحة الشمس ونظرها المودع من الله تعالى فيها، وما يكون من أثر في عنصر الماء والتراب في ذلك اليوم فمن حركة الفلك الرابع. وموضع هذا الشخص الذي يحفظه من الأقاليم الإقليم الرابع فممّا يحصل لهذا الشخص المخصوص من الأبدال بهذا الإقليم من العلوم علم أسرار الروحانيات وعلم النور والضياء وعلم البرق والشعاع وعلم كل جسم مستنير ولماذا استنار وما المزاج الذي أعطاه هذا القبول مثل الحباحب من الحيوان وكأصول شجر التين من النبات وكحجر المهى والياقوت وبعض لحوم الحيوان، وعلم الكمال في المعدن والنبات والحيوان والإنسان والملك، وعلم الحركة المستقيمة حيثما ظهرت في حيوان أو نبات، وعلم معالِم التأسيس وأنفاس الأنوار، وعلم خلع الأرواح المدبّرات وإيضاح الأمور المبهمات وحلّ المُشكل من المسائل الغامضة، وعلم النغمات الفلكية والدولابية وأصوات آلات الطرب من الأوتار وغيرها، وعلم المناسبة بينها وبين طبائع الحيوان وما للنبات منها، وعلم ما إليه تنتهي المعاني الروحانية والروائح العطرية وما المزاج الذي عطرها ولماذا ترجع وكيف ينقلها الهواء إلى الإدراك الشمّي وهل هو جوهر أو عرض؛ كل ذلك يناله ويعلمه صاحب ذلك الإقليم في ذلك اليوم وفي سائر الأيّام في ساعات حكم حركة ذلك الفلك وحكم ما فيه من الكواكب وما فيه من روحانية النبي هكذا إلى تمام دورة الجمعة.[324]

كذلك يذكر ابن العربي في الفصل 46 من التنـزلات الموصلية العديد من التفاصيل الغامضة حول هذا اليوم وزيارته إلى قطب الأرواح إدريس عليه السلام في فلك الشمس، فهذا الفصل (46) من التنـزلات الموصلية والفصول التي تليه بالإضافة إلى جزء كبير من الباب الطويل 198 من الفتوحات المكية تستحقّ دراسةً متخصّصةً لا يسع المجال لها هنا، ولكنني ذكرت بعضاً من ذلك فيما يخصّ هذا اليوم الأوّل يوم الأحد كمثال وسوف أمرّ عليها سريعاً أو أتركها فيما يخص الأيّام الأخرى التالية، ونريد التركيز فقط على هذا اليوم الأحد وكذلك يوم الجمعة ويوم السبت لأهميّتها الخاصّة فيما يخصّ الزّمن وآليّة الخلق في ستّة أيّام.


[314] التنَزُّلات الموصلية، الباب 46، ص243.

[315] الفتوحات المكية: ج2ص438س7.

[316] الفتوحات المكية: ج4ص1131.

[317] الفتوحات المكية: ج2ص438س8.

[318] الفتوحات المكية: ج2ص400س7.

[319] الفتوحات المكية: ج2ص437س34.

[320] الفتوحات المكية: ج1ص122س28.

[321] الفتوحات المكية: ج1ص155س6، ج1ص466س6، ج2ص445س15.

[322] الفتوحات المكية: ج1ص55ج1ص275س26. وانظر أيضاً في كتاب "التدبيرات الإلهيّة في إصلاح المملكة الإنسانية" حيث يقارن ابن العربي بشكل أوسع بين مفردات العالَم وتركيب الإنسان. وقد ذكرنا طرفاً من هذه المضاهاة بين الإنسان والعالَم في كتاب سلوك القلب.

[323] الفتوحات المكية: ج2ص445س15.

[324] الفتوحات المكية: ج1ص154س35.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!