موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

مراجعة عامّة للنظريّات الكونية عبر التاريخ


لقد قام الكتّاب والمترجمون العرب بدراسة علم الفلك كما نشأ في الحضارات القديمة ثم تطور في الحضارة الإسلامية من خلال الفلاسفة وعلماء الكلام الذين اعتمدوا على النماذج السابقة (مثل بطليموس وأرسطو) التي تبنّت النموذج الأرضي (Geocentric) الذي يعدّ الأرض مركزاً للعالَم.[3] ثم انتقلت هذه العلوم إلى أوربا بدءاً من القرن الثاني عشر الميلادي، لكنّ الكنيسة الكاثوليكية التي قرّرت أن تتبنّى النموذج البطليموسي الذي يعدّ الأرض مركزاً للعالَم عدَّت العلماء الذين ينتقدون هذا النموذج زنادقةً وملحدين.

من أجل ذلك لم يستطع العالِم البولندي نيكولاي كوبرنيكوس (1473-1544) إعلان نموذجه الذي يعدّ الشمس مركزاً للعالَم إلا بشكل سرّي، ولم ينشر كتابه (De Revolutionibus Orbium Caelestrium) [حول دوران الأجرام السماوية] حتى سنة 1543، أي قبل سنة واحدة فقط من وفاته.

في هذا النموذج، يفترض كوبرنيكوس أنّ الشمس والنجوم ثابتة وأنّ الأرض والكواكب تدور حول الشمس في مداراتٍ دائرية منتظمة.[4] ولقد بقي الأمر هكذا دون تطوّر ملحوظ حتى سنة 1609، عندما اخترع غاليلو المنظار، حيث بدء النموذج الأرضي (geocentricالذي يعدّ الأرض مركزاً للكون) يُستبدل بالنموذج الشمسي (heliocentric).[5] وفي حوالي نفس التاريخ (1609-1619)، صاغ العالم جوهانز كبلر ثلاثة قوانين رياضية تصفُ دوران الكواكب بدقّة حول الشمس. ثم في سنة 1687، في كتابه الرئيسي (Philosophiae Naturalis Principia Mathematica) [المبدأ الرياضي في الفلسفة الطبيعية] استطاع إسحق نيوتن تقديم نظريّة شاملة تدعمُ نموذج كوبرنيكوس الشمسي وتُوضّحُ كيفيّة تحرّك الأجسام في المكان والزّمان، وهي نظريّة الجاذبيّة المشهورة.[6]

كانت ميكانيكا نيوتن وقوانينُه جيدة بما فيه الكفاية لكي تفسّر حركة الأجرام في النظام الشمسي، ولكن نيوتن كان مخطئاً تماماً حينما اعتبر، مثل أرسطو، أن النجوم ثابتة وأن الكون الذي هو خارج النظام الشمسي ساكن لا يتحرك. على الرغم من أن ديناميكية الكون يمكن أن تُستنتج بسهولة من خلال نظريّة الجاذبية، ولكن الاعتقاد العميق بالكون الأرسطوطاليسي الساكن كان قوياً جدّاً بحيث استمرّ لثلاثة قرون بعد نيوتن وانطلى حتى على آينشتاين أثناء صياغته الأولى لنظريّة النسبيّة.[7]

في سنة 1718، قام ادموند هالي برصد النجوم وقارن مواقعها مع المواقع التي سُجّلت من قبل البابليين والفلكيين القدماء الآخرين فأدرك أنّ مواقع بعض النجوم ليست تماماً كما كانت عليه قبل آلاف السنين؛ فبعض هذه النجوم قد غيّرت مكانها بالنسبة للنجوم المجاورة بمقدار صغير ولكنه كان ملحوظاً وواضحاً. في عام 1783، اكتشف وليام هيرشيل الحركة الشمسية، أو حركة الشمس بالنسبة إلى النجوم المجاورة،[8] وبيّن هيرشيل أيضاً أنّ الشمس والنجوم الأخرى تنتظم مثل قرص الرحى وهو ما سمّي فيما بعد بمجرة درب التبّانة.

بعد أكثر من قرن، في عام 1924, استطاع هابل قياس المسافات إلى بعض النجوم (مستنداً على مبدأ انحراف الطيف نحو الأحمرredshift)،[9] و بيّن أنّ بعض النقاط اللامعة التي نراها في السماء ونحسبها نجوماً هي في الحقيقة مجرات أخرى تشبه مجرتنا، ولكنها تبدو صغيرةً جداً بسبب بعدها السحيق في عمق الفضاء.[10]

إنّ اكتشاف انحراف الضوء القادم من النجوم نحو الطرف الأحمر من الطيف لم يكن له أيّ تفسير سوى أنّ هذه النجوم تتحرّك بسرعة كبيرة مبتعدة عنّا، وهو ما عُرف لاحقاً بتمدّد الكون.

وبذلك فإن النظريّة الأرسطوطاليسية للكون الساكن قد انهارت تماماً، وأصبح من المؤكد أن جميع الأجرام في الفضاء هي في حركة دائمة كما يقول الله تعالى في سورة يس ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)﴾ وكما أشار ابن العربي قبل عدة قرون من هذه الأبحاث كما سنرى بعد قليل.

يقول ستيفن هوكنج في كتابه الشهير (موجز تاريخ الزّمن):

حتى آينشتاين، عندما صاغ النظريّة العامّة للنسبية في عام 1915، كان واثقاً أن الكون لا بدّ أن يكون ساكناً بحيث إنّه عدّل نظريته لجعل ذلك ممكناً، فأضاف ما يسمّى بالثابت الكوني إلى معادلاته.[11]

بالطبع لم يكن ذلك صحيحاً ويعرف الجميع الآن أنّ الكون في حركة مستمرة، وآينشتاين نفسه اعتبر لاحقاً أن ذلك كان من أكبر أخطائه. تجدر الإشارة هنا إلى أن ابن العربي أعلن بوضوح تامّ أنّ النجوم لا يُمكن أن تكون ثابتة بل وأعطى أرقاماً لسرعة حركتها تُعتبر دقيقة ومتّفقة مع آخر القياسات الدقيقة.[12]

بعد ذلك وبوصول التقنيات الإلكترونية الحديثة التي استُخدمت في الأرصاد بالإضافة إلى التجارب الكثيرة في الفيزياء وعلم الفلك استُبدلت النظريّات القديمة بنظريّات حديثة أكثر دقةً واتفاقاً مع الواقع، ولكن لا نستطيعُ الادّعاء أبداً أننا وصلنا إلى صورة صحيحة وكاملة عن الكون. على العكس من ذلك، فإنّ أسئلة كثيرة جديدة أكثر عمقاً لا تزال تحيّر العلماء، مثل المادة المُظلمة (المادّة السوداءblack matter) ومتناقضة إي بي آر (Einstein-Podolsky-Rosen Paradox) كما سنناقش ذلك في الفصل الأخير إن شاء الله تعالى.

فمع الكمية الكبيرة من البيانات التي جُمعت بالمراصد والمكوكات الفضائية في العقود الأخيرة، ظهرت العديد من النظريّات الجديدة لمُحاولة تفسير تلك الملاحظات، ودائماً كان مفهوم الزّمان والمكان من أهم الموضوعات التي حازت على اهتمام العلماء خاصّة بعد الأفكار الغريبة والشجاعة لآينشتاين حول الزمكان ونسبيّته وتحدّبه والتي أُثبتت من قبل أدينغتون (Eddington) من خلال ملاحظته للكسوف الكليّ للشمس في عام 1918 في جنوب أفريقيا.[13] منذ ذلك الحين، نشأت نظريّات أخرى مثل ميكانيكا الكمّ ونظريّة الحقول ونظريّة الأوتار الفائقة ونظريّة الجاذبية المكمّمة، لمحاولة اكتشاف ووصف العلاقة الفعلية بين الأجسام المادية والطاقة من جهة، وبين المكان والزّمان من جهة أخرى. ورغم أننا لم نصل إلى نتائج نهائية ولكنّ الإنجازات كانت عظيمة وقد تغيّرت رؤيتنا للعالَم كثيراً فزادت دقةً وتعقيداً على حدّ سواء.


[3] يعدّ النموذج الأرضي (geocentric) أنّ الأرض هي مركز العالَم وجميع الكواكب بما فيها الشمس والقمر تدور حولها، بينما يعدّ النموذج الشمسي (heliocentric) أنّ الشمس في المركز. أمّا في علم الفلك الحديث فإنّ الكون محدّب ومغلق على نفسه فليس له مركز محدّد بل إنّ أيّ نقطة فيه يمكن اعتبارها مركزاً مثلما أنّ أيّ نقطة على سطح الأرض يمكن أن تعدّ مركزاً بالنسبة لسطح الأرض لأنّ جميع النقاط تكون متناظرة بالنسبة لها، مع إهمال التغيّرات الجغرافية. ومن الجدير بالذكر هنا أنّ ابن العربي صرّح بشكل واضح بأنّ الكون ليس له مركز كما قال في الفتوحات المكيّة إنّ حركة العالَم دائمة لا نهاية لها، ولو كان ثَمّ أمر ينتهي إليه يُسمّى المركز يكون إليه النهاية لسكن العالَم بعضه على بعض بالضرورة وبطلت الحركة فبطل الإمداد فأدّى ذلك إلى فناء العالَم وذهاب عينه والأمر على خلاف هذا، وإنّما الناس وأكثر الخلق لا يشعرون بحركة العالَم ولأنه بكلّه متحرّك فيبقي الترتيب المشهود من البعد والقرب على حاله فلهذا الشهود يتخيّلون سكون الأرض حول المركز. (الفتوحات المكيّة: ج2ص677س19)

[4] انظر في "انتقال النموذج الشمسي في المدارس البولندية في القرن السابع عشر والثامن عشر من الرفض إلى القبول" ضمن الحلقة الدراسية التي نُظّمت من قبل الإتحاد الدولي للتاريخ وفلسفة العلوم:

Barbara Bieńkowski, 'From Negation to Acceptance (The Reception of the Heliocentric Theory in Polish Schools in the seventeenth and eighteenth Centuries)', inThe Perception of Copernicus' Heliocentric Theory: Proceedings of a Symposium Organised by the Nicolas Copernicus Committee of the International Union of the History and Philosophy of Science, ed. Jerzy Dobrzycki (Boston: D. Reidel Pub., 1972), pp. 79-116.

[5] انظر في "التلسكوب ونموذج كوبرنيكوس" في:

Stillman Drake,Galileio: Pioneer Scientist(Toronto: University of Toronto, 1990), pp. 145-163.

[6] تنظر في كتاب "اسحق نيوتن: مغامر في الفكر":

A. Rupert Hall,Isaac Newton, Adventurer in Thought(Oxford: Blackwell, 1992), p. 202.

[7] انظر في "نيوتن وآينشتاين والجاذبية" في:

Michael A. Seeds,Foundations of Astronomy(California: Wadsworth Publishing, 1990), pp. 86-107.

[8] هذا يدعى بالحركة الصحيحة (proper motion) المرئيّة على مستوى خط النظر بالنسبة للنجوم البعيدة التي تقع في الخلف، وهي تختلف عن الحركة الظاهرية للنجوم والتي سببها حركة الأرض حول نفسها.

[9] انحراف الطيف نحو الجانب الأحمر (redshift) سببه السرعة العالية لحركة النجوم التي تبتعد عنّا. وهذا الانحراف يتناسب مباشرة مع بعد النجم عن الأرض، وهكذا يمكن حساب المسافات إلى النجوم والمجرات البعيدة بدرجة عالية من الدّقّة.

[10] انظر في "مجموعة المجرّات المحلّيّة" في:

The Cosmic Voyage: Through Time and Space, William K. Hartmann, Wadsworth Publishing Company, Belmont, California, 1990. p: 373-375.

[11] انظر في "الفصل الثالث: الكون المتمدّد" في:

Stephen Hawking,A Brief History Of Time: The Updated and Expanded Tenth Anniversary Edition(UK, USA, Canada: Bantam Publishing; 10thAnniv. edition, September 1, 1998), p. 42.

[12] الفتوحات المكية: ج3ص548س28، ج2ص441س33.

[13] لمزيد من المعلومات حول النسبيّة يمكن مراجعة كتاب معاني النسبية لآينشتاين:

Albert Einstein,The Meaning of Relativity, 5thed. (Princeton: Princeton University Press, 1955).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!