موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

الدورات الأربع الرئيسية للزمن


يقول ابن العربي إنّ كُلّ شيء من الأكوان لا بدّ أن يكون استناده إلى حقائق إلهية؛ فكل علمٍ مدرجٌ في العلم الإلهي، ومنه تفرّعت العلوم كلُّها، وهي منحصرة في أربع مراتب وكل مرتبة تنقسم إلى أنواع معلومة محصورة عند العلماء وهو العلم المنطقي والعلم الرياضي والعلم الطبيعي والعلم الإلهي. ثم يضيف أنّ العالَم يطلب من الحقائق الإلهية أربعَ نسبٍ هي الحياة والعلم والإرادة والقدرة؛ إذا ثبتت هذه الأربع النِّسب للواجب الوجود صحّ أنه المُوجِدُ للعالَم بلا شك، فالحياة والعلم أصلان في النِّسب والإرادة والقدرة دونهما.[279]

فعلى الرغم من أن الكثير من علماء المسلمين يعتقدُون بأنّ عدد أسماء الله الحسنى ينتهي إلى تسعة وتسعين، وذلك اعتماداً على الحديث المشهور،[280] إلاّ أنّ ابن العربي يعدّها لا نهائية،[281] وأنّ الأسماء التسعة والتسعين المُشار إليها في هذه الروايات النبوية هي الأسماء الأساسية.

إضافة إلى ذلك فمن بين هذه الأسماء أو الصفات هناك أربع صفات مخصوصة هي الحياة والعلم والقدرة والإرادة وهي ضرورية وكافية لكي يكون الله تعالى إلهاً؛ وبالتالي هذه الصفات الأربع هي أمّهات كُلّ الصفات الإلهية الأخرى.[282]

ولكن فيما يتعلق بالخلق فهناك ثلاثة صفات أخرى ضرورية أيضاً لكي يكون الله تعالى إلهاً خالقاً لهذا العالَم، وهي السمع والبصر والكلام؛ فيكون المجموع سبع صفات هي أمّهات الصفات الإلهية وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.[283]

من جهة أخرى فقد ورد في بعض الأحاديث الصحيحة عن النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ.[284] فبما أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته،[285] فإنّنا نجد أن هذه الصفات الإلهية نفسها تكون صفات أساسيّة في الإنسان وخاصة الإنسان الكامل (مثل آدم عليه السلام والأنبياء). وكذلك يقول ابن العربي إن الله تعالى خلق العالَم وكُلّ شيء فيه على صورة الإنسان،[286] ولذلك فإنّ العالَم مع الإنسان، الذي هو جزءٌ منه وهو بمثابة روحه، يكون على صورة الحق، لكنّه بدون الإنسان لا يكون عندهُ هذا الكمال.[287]

لذلك فإنّ هذه الصفات نفسها يجبُ أن تكُون متوفّرة وضروريّة وأساسيّة في العالَم أيضاً. من أجل ذلك يُؤكّد ابن العربي أهميّة الأرقام أربعة وسبعة في العالَم وانعكاساتها على المستويات المختلفة فيه، مثل: العناصر الأربعة في الطبيعة (تراب وماء وهواء ونار، كما ذكر في قصيدته في مطلع هذا الفصل)، وكذلك الدورات الأربع للزمن التي نتكلّم عنها الآن، وكذلك السماوات السبع والأيّام السبعة.[288]

ومن أهم الرباعيات التي انبثقت عن هذه الأمهات الأربع من الصفات الإلهية (حياة، علم، إرادة، قدرة) هي العناصر الأربعة في الطبيعة وهي التراب والماء والهواء والنار وكذلك العناصر الأربعة الروحانية التي عنها نشأ العالَم وهي العقل الأوّل والنفس الكلّيّة والهباء والطبيعة، ثم بعد ذلك ظهر أثر هذه المجموعات الرباعية الطبيعية في الزّمان، فكان فيه أيضاً كما يشير الشيخ محي الدين أربع دورات رئيسية هي اليوم والأسبوع والشهر والسنة (وهي أيضاً ذات أربعة فصول). وتعود أصول هذه الدورات الطبيعية الأربع للزّمن إلى العناصر الأربعة في الطبيعة (النار والهواء والماء والتراب)، التي ترجع في أصولها إلى الصفات الإلهية الأربع الأمّهات كما وضّحنا أعلاه. والشكل يوضح بعض هذه الرباعيات التي انبثقت عن الصفات الإلهية الأربع الأمَّهات التي تتَّصف بها الحضرة الإلهية.

 


الشكل 1: الرباعيات المستندة على الصفات الإلهية الأمهات الأربع (الحياة والعلم والقدرة والإرادة).[289]

فيقول ابن العربي إنّ الزّمان محصور في سنة وشهر وجمعة ويوم، فيُقسم الزّمان على أربعة أقسام لأنّ الفصول الطبيعية أربعة، لأن الأصل في وجود الزّمان الطبيعة ورتبتها دون النفس وفوق الهباء الذي يسمّيه الحكماء الهيولى الكل، وحكم التربيع فيها من حكم التربيع في الأحكام الإلهية من حياة وعلم وقدرة وإرادة؛ بهذه الأربع صفات ثبتت الألوهة للإله؛ فظهر التربيع في الطبيعة ثم نـزل الأمر فظهر التربيع في الزّمان الأكبر وهو السنة فانقسمت السنة إلى أربعة فصول: ربيع وصيف وخريف وشتاء، أحدث هذا الحكمَ فيها نزول الشمس في البروج، والبروج قسمتها الطبيعة تقسيمها العناصر التي هي الأركان إلى ناريّة وهوائيّة ومائيّة وترابيّة كما قسمت العناصر إلى نار وهواء وماء وتراب، كما قسمت الأخلاط في الحيوان إلى صفراء ودم وبلغم وسوداء. ثم اندرج الزّمان الصغير الذي هو الشهر والجمعة في الزّمان الكبير وتعدّدت الشهور بتعداد البروج اثني عشر شهراً، فقسّمت عليها الأيّام بحكم الرأي، إلاّ أيّام العرب أعني شهور العرب (القمريّة) فإنها مقسمة بسير القمر فهي مقسّمة بتقسيم الله لا بتقسيمنا، فلمّا ظهرت السنة بقطع الشمس هذه البروج كذلك ظهر الشهر العربي بقطع القمر هذه البروج؛ فالشهر الإلهيّ ثمانية وعشرون يوماً وشهر الرؤية والتقدير بحسب الواقع. ثم يقعالتقدير في الزّمان الممتد بأحد هذه الأربعة إما بالسنة أو بالشهر أو بالجمعة أو باليوم لا يقعالتقدير إلا بهذا. وأعنى باليوم اليوم الصغير من طلوع الشمس إلى طلوع الشمس مثلاً وهو الذي يحدث عند انتهاء دورة الفلك المحيط الذي يدور بالكل وهو الذي يتعيّن بالعين كما قلنا بطلوع الشمس إلى طلوع الشمس مثلاً، فيعلم أن الدورة المحيطة بالأفلاك قد انتهت في أعيننا، ولا حدّ لها في نفسها فما في الفلك المحيط سوى دورة واحدة لا تتصف بالانتهاء فنحن فرضنا فيها البدء والغاية والإعادة والتكرار ما هي في نفسها بهذا الحكم. والأيّام كثيرة ولكن لا تُعدُّ إلا بهذا اليوم الصغير المعلوم عندنا الجامع لليل والنهار، فتُعدُّ الأيّام به أو بالشهر أو بالسنة لا غير. وقد ورد (في سورة الحج) أنّ يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدّون بهذا اليوم الصغير، وقد ورد أيضاً (في سورة المعارج) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، و(ورد في الحديث عن) أيّام الدجال يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيّامه كأيّامنا المعهودة.[290] فاليوم الذي نعدّ به الأيّام الكبار هو يوم الشمس (أي الذي نعيشه على الأرض، والناتج عن حركة الشمس الظاهرية)، ويوم القمر ثمانية وعشرون يوماً، من أيّام الشمس. وكذلك نأخذ أيّام كل كوكب بهذا اليوم الحاكم على الكل إذ كان انتهاء دورة الفلك المحيط فنأخذ يوم كل كوكب بقدر قطعه الفلك الأقصى وهو الأطلس الذي لا كوكب فيه؛ فأكبرها قطعاً فيه فلك الكواكب الثابتة وإنما سمّيت ثابتة لأن الأعمار لا تدرك حركتها لقصر الأعمار لأن كل كوكب منها يقطع الدرجة من الفلك الأقصى في مائة سنة إلى أن تنتهي إليها فما اجتمع من السنين فهو يوم ذلك الكوكب، فيحسب ثلاثمائة وستين درجة كل درجة مائة سنة، وقد ذُكر لنا في التاريخ المتقدّم أنّ تاريخ أهرام مصر بنيت والنسر في الأسد وهو اليوم عندنا في الجدي فاعمل حساب ذلك تقرب من علم تاريخ الأهرام.[291]

وهكذا فإنّ هذه الدورات الأربع للزمن هي الدورات الرئيسيّة، ومع أنّها تبدو لنا كلّها (كما يعرّفها ابن العربي) مضاعفات لليوم، ولكنّنا سنجد أنّ الأسبوع هو الدورة الرئيسيّة فيها، وذلك مستنده في قوله تعالى في القرآن الكريم مثلا في سورة الفرقان: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)﴾ فكان الخلق في أسبوع كما سنرى أدناه.


[279] الفتوحات المكية: ج1ص293س5.

[280] كنز العمال: حديث رقم 1933، 1937.

[281] الفتوحات المكية: ج3ص146س35.

[282] الفتوحات المكية: ج1ص469س25.

[283] الفتوحات المكية: ج1ص525س32.

[284] ورد هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما (انظر في كنز العمال: حديث رقم 1141-1150 وحديث رقم 15129) ولكن يقول بعض العلماء إن الضمير في صورته عائد على آدم عليه السلام، أي على صورة آدم التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى موته لم تتفاوت قامته ولم تتغيّر هيئته، وقيل أيضاً أنّ الضمير عائد لله تعالى بقرينة الرواية الأخرى "خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحمٰنِ" (انظر في كنز العمال: حديث رقم 1148 و13220)، أي أعطاه من الصفات ما يوجد مسمّاها عند الله عزّ وجلّ. ويستخدم ابن العربي هذا الحديث كثيراً بالمعنى الثاني، وقد وضع الفصّ الأوّل في فصوص الحكم (فصُّ حكمةٍ إلهيةٍ في كلمةٍ آدمية) على أساسه حيث يؤكّد أنّ الضمير عائد إلى الله تعالى (الفتوحات المكية: ج1ص106س9، ج1ص200س8، ج1ص216س14) ولكنّ ابن العربي يشدّد على أنّ معنى هذا الحديث هو أنّ الأسماء الإلهيّة لله تعالى تظهر بمجموعها في الإنسان وكذلك في مجموع العالَم (بما فيه الإنسان، الذي هو روح العالَم) ولكن ليس في أيِّ مخلوقٍ آخر غيره، وهو من معنى قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)﴾، فالملائكة وجميع الخلق لا يعلمون إلاَّ ما هم عليه في حقيقة الأمر (الفتوحات المكّيّة: ج1ص124س13)، لكنّ ذلك لا يعني أنّ الإنسان أو العالم مماثل لله تعالى (الفتوحات المكّيّة: ج1ص9726).

[285] الفتوحات المكية: ج1ص163س20.

[286] الفتوحات المكية: ج2ص652س25.

[287] الفتوحات المكية: ج3ص343س25.

[288] ويمكن ملاحظة أنّ الأرقام 3 و4 و7 تعتبر أرقاماً مقدّسة في بعض الحضارات القديمة. للمزيد عن ذلك يمكن مراجعة:

Annemarie Schimmel, Franz Carl Mysterium Der Zahl Endres, 'The Mystery of Numbers' (Oxford: Oxford University Press. 1994), pp. 18, 58, 127.

[289] هذا الشكل منقول من الفتوحات المكية: ج1ص260.

[290] ‏سنن ابن ماجه، الجزء الثاني، الحديث رقم: 4075.

[291] الفتوحات المكية: ج3ص548س17.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!