موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

الوقت


بالإضافة إلى كلمة الزّمن والزّمان المستخدمتان بكثرة في اللغة العربية فهناك كلمة الوقت أيضاً وهي تحمل معانٍ كثيرة تدور كلّها حول معنى الزّمن الحالي أي اللحظة التي نحن فيها. فيقول الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية في الباب الثامن والثلاثون ومائتان في الوقت:

الوقت ما أنت موصوفٌ به أبداً
فالله يجعلْ وقتي منه مشهده
له الشؤون من الرَّحمن وهي بنا

فلا تزال بحكم الوقت مشهودا
فإنّ في الوقت مذموماً ومحمودا
تقوم شرعاً وإيماناً وتوحيدا

ثم يقول إنّ الوقت في اصطلاح القوم هو ما أنت به وعليه في زمان الحال، وهو أمرٌ وجودي بين عدمين هما الماضي والمستقبل، والوقت كذلك هو ما يصادفهم من تصريف الحقّ لهم دون ما يختارون لأنفسهم. وقيل أيضاً إنّ الوقت هو ما يقتضيه الحق ويجريه عليك، وقيل الوقت مِبرد يسحقك ولا يمحقك، وقيل الوقت كل ما حكم عليك. ومدار جميع هذه الأقوال على أنّ الوقت هو الحاكم، وأنّ مستند الوقت في الأحكام الإلهية هو وصفه نفسه تعالى في سورة الرَّحمن أنه كلَّ يوم هو في شأن؛ فالوقت ما هو به في الأصل وإنما يظهر وجوده في الفرع الذي هو الكون، فتظهر شؤون الحق في أعيان الممكنات. فالوقت على الحقيقة ما أنت به، وما أنت به هو عين استعدادك فلا يظهر فيك من شؤون الحق التي هو عليها إلا ما يطلبه استعدادك. فالشأن محكوم عليه بالأصالة فإنّ حكم استعداد الممكن بالإمكان أدّى إلى أن يكون شأن الحق فيه الإيجاد، ألا ترى أنّ المُحال لا يقبله. فأصل الوقت من الكون لا من الحقّ وهو من التقدير، ولا حكم للتقدير في المخلوق، فصاحب الوقت هو الكون فالحكم حكم الكون.[236]

وبالتالي فإنّ الوقت هو اللحظة الحالية من الزّمن؛ فهو حصّتنا من اليوم الفرد؛ لذلك وكما أشرنا مراراً أعلاه فإنّ اليوم الفرد فيما يتعلق بالعالَم بأكمله هو يوم واحد يساوي أربعاً وعشرين ساعة، لكنّه فيما يتعلق بكلّ جزء فرد في العالَم هو لحظة واحدة؛ من أجل ذلك يقال إنّ الصوفي ابن وقته، كما أشار إلى ذلك الباحث جيرهارد بَوَرينغ في بحثه عن مفهوم الزّمن عند ابن العربي،[237] وقد قال جيرهارد في هذا البحث إنّ هناك في كلام ابن العربي عنقوداً لا نهائيّاً من اللحظات كلّ منها ذرّة من ذرّات الزّمن ليس لها أيّ مدّة، لكنّها حالات مجرّدة من الاستعداد التي تتحقّق فيها تلك الإمكانيات التي أمر الله تعالى أن تؤثّر على الإنسان.[238]

ولكنّ القضية الفلسفية فيما إذا كانت اللحظة لها مدّة أو لا هي قضيّة حسّاسة جدّاً ومعقّدة؛ إذ لو اخترنا القول أنها ليس لها مدّة كما يقول جيرهارد فهذا يؤدي بنا إلى التساؤل كيف يكون اليوم المحسوس مثلاً أربعاً وعشرين ساعة وهو متكوّن من لحظات طول كلّ منها صفر ؟ ويجب أن نتذكّر بأنّ عدد الكيانات في العالَم (وبالتالي عدد اللحظات) مع أنّه كبير جدّاً لكنّه يبقى محدوداً. من جهة أخرى فإذا قلنا إنّ اللحظة لها مدّة معيّنة فيبقى التساؤل حول بنية هذه اللحظة وماذا يحدث بالتحديد خلالها وهل هي مكوّنة من لحظات أصغر منها أم هل يظهر الحدث الذي يستغرق لحظة واحدة بشكل كامل دفعة واحدة ومن غير أي تدريج ؟

لم يعط ابن العربي أيّ معلومات مباشرة حول هذه القضية الفلسفية الدقيقة والمهمة جدّاً، ولكنّه تكلّم بإيجازٍ في كتاب عقلة المستوفز عن العنصر الأعظم الذي يقول إنّ الله تعالى خلقه دفعة واحدة ومن غير أي ترتيب، ولكنّه لا يضيف أكثر من ذلك بل يؤكّد أنّ ذلك من الأسرار الإلهية وقد أُخذ عليه العهد أن لا يبوح بها.[239] ونحن سنشرح في الفصل الخامس أنّ الجوهر الفرد مع أنّه وحدة غير قابلة للقسمة لكنّه يتكوّن من هذا العنصر الأعظم، لذلك فإنّ اللحظة (التي توافق في الحقيقة خلق الجوهر الفرد) يجب أيضاً أن تتكوّن من لحظات ثانوية (التي تقابل خلق العنصر الأعظم)، ولكن بمأنّ الجوهر الفرد لا ينقسم، فكذلك اللحظة مع وجود طول محدود لها ولكنّها لا تنقسم. ونحن يمكن أن نؤكّد الآن، طبقاً لابن العربي، بأنّ هذه اللحظات الثانوية غير مركّبة وقابلة للقسمة أيضاً لأن ابن العربي يقول إنّ الله يخلق العنصر الأعظم دفعة واحدة، ولكنّ السؤال يبقى قائماً هل تلك اللحظات الثانوية لها مدّة وكم عددها ؟

ولكنّ أوّل تخمين حول هذا الموضوع أنّ العملية مشابهة لليوم الطبيعي حيث تشرق الشمس وترتفع ثم تغرب لتشكّل النهار والليل. ومما يدعم هذه المقارنة أنّ ابن العربي يقارن عادة بين خلق الإنسان الكامل (وهو نفسه الجوهر الفرد) وخلق العالَم، وعلى كلّ حال سوف نتحدّث عن هذه المقارنة في الفصل السابع ولكنّنا نقول هنا إنّ اللحظة قد تبدو لنا وحدة منتظمة ومستمرّة من الزّمن لكنّنا لو دخلنا داخلها فسوف نجد أنّها مثل اليوم العادي فيها أحداث كثيرة ومتعدّدة، وذلك مثل الجوهر الفرد الذي يبدو لنا نقطة في عالَمنا ولكنّنا لو دخلنا فيه لوجدنا أنّه عالَم قائم بنفسه لا يقل تعقيداً عن عالَمنا هذا.


[236] الفتوحات المكية: ج2ص538س32.

[237] انظر في:

Gerhald Böwering, 'Ibn al-‘Arabî's Concept of Time', pp. 71-91.

[238] تنظر في:

Gerhald Böwering, 'Ibn al-‘Arabî's Concept of Time', p. 81.

[239] عقلة المستوفز: ص38.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!