موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

اليوم الفرد


إذن يعدّ ابن العربي أنّ الزّمن كميّة منفصلة وأنّ هناك حدّاً أدنى له وهو اليوم الفرد الذي لا يقبل القسمة،[226] ويسميه أيضاً يوم الشأن، وذلك من قوله تعالى في سورة الرَّحمن: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)﴾. فهو يقول أيضاً في الفتوحات المكية إنّ الشأن هو ما نحن فيه، وهو يخلقه وليس يخلق شيئاً ليس يعلمه، ... وليس إلا الفعل وهو ما يوجده في كلّ يوم من أصغر الأيّام وهو الزّمان الفرد الذي لا ينقسم.[227] فكما أنّ الشأن واحدٌ لا ينقسم فاليوم الذي يحدث فيه يكون كذلك واحدٌ لا ينقسم.

وكذلك هذا اليوم الفرد مثل بقيّة الأيّام له ليل ونهار؛ فعندما يقابل الجوهر الفرد ربّه للاستفادة فإنّ ذلك يكون ليلاً بالنسبة للنفس الكلّيّة التي تستقبل منه، وعندما يواجهها يكون ذلك نهارٌ لها.[228]

ولقد نوّهنا أعلاه إلى أن المعنى الحقيقي للزمن أو اليوم الفرد هو أنّ الله تعالى يخلق فيه العالَم (أو الجوهر الفرد) في صورة جديدة تشابه الصورة السابقة مع تغيير بسيط يوهمنا بوجود حركة وامتداد مكاني وزماني. ففي كلّ يومِ شأنٍ يكون لله تعالى شأن واحد في كلّ جزء من أجزاء العالَم، كما قال تعالى في سورة القمر: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)﴾، ولكنّ هذا الشأن سيكون مختلفاً بحسب القوابل وهي هذه الأجزاء التي تستقبل أمر الله تعالى؛ فعلى سبيل المثال يقول ابن العربي إنّ الله تعالى عندما يُلهم النفس الكلّيّة أن تحرّك فَلَك النَّار لتسخّن العالَم فإنّ هذا أمرٌ واحدٌ من الله تعالى، ولكنّه سيكون له نتائج مختلفة على حسب القوابل وخصائص كلّ جوهر من جواهر العالَم فيسخُن من كان قابلاً للتسخين ويحترق من كان قابلاً للاحتراق؛[229] لذلك فإنّ الشأن في الحقيقة واحدٌ ولكنّه فيما يتعلّق بذوات القوابل متعدّد ولولا أنّه دخل تحت حصر الوجود لقلنا إنّه غير متناهٍ.[230]

ولكنّنا أشرنا من قبل أنّ اليوم الفرد يساوي على الحقيقة اليوم العادي وهو أربع وعشرون ساعة، وذلك عندما نأخذه على مستوى العالَم حيث إنّ كلّ جزءٍ في العالَم يشهد هذا اليوم كلحظة واحدة، ولكنّ الجوهر الفرد يستغرق يوماً كاملاً لإظهار جميع أعيان العالَم إلى الوجود. فإذا فرضنا أن عدد أجزاء الوجود هو "س" فيكون طول اليوم الفرد يساوي 24×60×60 مقسمة على س، ولكن لا شكّ أنّ س عدد كبير جدّاً ولذلك فإنّ اليوم الفرد الذي لا ينقسم سيكون صغيراً جدّاً ولهذا السبب نحن نتخيّل أنّ الزّمن يمكن تقسيمه بشكل لا نهائي.

من جهة أخرى يجب أن نلاحظ أنّ الفلك الأطلس ليس فلكاً مادّيّاً لأنّه ليس فيه أيّنجم أو علامات مميّزة، فنحن لا نستطيع التمييز بين أجزائه ولذلك يسمى أطلساً أو متماثلاًفي جميع الاتجاهات. لهذا السبب نحن لا نستطيع قياس طول يومنا الطبيعي الذي هو في الحقيقة يوم هذا الفلك الأطلس (كما وضّحنا أعلاه)، وإنّما نحن نستعمل هذا اليوم لقياس بقيّة الأيّام، على الرغم من أنّنا نقسّمه عادة إلى 24 ساعة، كلّ منها 60 دقيقة كلّ منها 60 ثانية، ولكنّ كلّ ذلك تقسيمٌ اصطلاحي وليس حقيقيّ لأنّنا لا يمكن أن نقيس الشيء بأجزائه، وحتى نستطيع أن نقيس هذا اليوم فإنّنا نحتاج إلى يوم آخر قبله وفلك آخر أعلى منه ولكنّ ذلك غير ممكن. فيقول ابن العربي إنّ الله تعالى لمّا خلق هذا الفلك الأوّل دار دورةً غير معلومة الانتهاء إلا لله تعالى لأنه ليس فوقه شيءمحدود من الأجرام يقطع فيه فإنّه أوّل الأجرام الشفافة فتتعدّد الحركات وتتميّز، ولا كانقد خلق الله في جوفه شيئاً فتتميّز الحركات وتنتهي عند من يكون في جوفه ولو كان لم تتميّز أيضاً لأنّه أطلس لا كوكب فيه متشابه الأجزاء فلا يُعرف مقدار الحركةالواحدة منه ولا تتعيّن، فلو كان فيه جزء مخالف لسائر أجزائه عدّ به حركاته بلا شك، ولكن علم الله قدرها وانتهاءها وكرورها فحدث عن تلك الحركة اليوم ولم يكن ثَمّ ليل ولا نهار في هذا اليوم.[231] وكذلك فإنّ ابن العربي يؤكّد أيضاً أنّ هذا الفلك الأطلس له فقط دورة واحدة، فهو لا يمكن أن يوصف بأنّ له نهاية، بالرغم من أنّنا نفترض فيه بداية ونهاية.[232]

بالإضافة إلى ذلك فإنّ ابن العربي كثيراً ما يدعو هذا اليوم الفرد الأصغر بيوم النَفَس،[233] ويقول إنّ هذا اليوم هو مقدار نَفَس المتنفّس في الزّمن الفرد،[234] وذلك لأنه في هذا اليوم الآني يصدر النفس الإلهي ويعود إلى مصدره وذلك من كون العالَم كلمات الله التي لا تنفد وأعيان العالَم هي حروفها، كما سنعود لهذا الموضوع بمزيدٍ من التفصيل في الفصل السابع عند الحديث عن نظريّة الأوتار الفائقة. ولكنّ ابن العربي يتصوّر الكلمة الإلهية كجوهر يتكوّن من اهتزازات أو أصوات هي الحروف التي تشكّل كلّ الأجسام الظاهرة المادّيّة والباطنة الروحانيّة، تماماً كما تشكّل حروف الهجاء الكلمات في اللغة عند البشر. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ كلّ الكلمات تتكوّن من الحروف، وكلّ الحروف تتكوّن في الحقيقة من حرف الألف أو الصوت البسيط الذي يصدر مع خروج النفَس؛[235] لذلك فإنّه في كلّ يومٍ فردٍ يصدر الأمر الإلهي (كلام الله تعالى) بهذا النفَس الذي يشكّل حرف الألف وهو نفسه الجوهر الفرد الذي منه تتشكّل الكلمات وهي الكائنات التي يحوي عليها العالَم وهو تسلسل هذه الحروف وتركيبها كما سنشرح بمزيد من التفصيل عند الحديث عن نظريّة الجوهر الفرد في الفصل السادس إن شاء الله تعالى.


[226] الفتوحات المكية: ج4ص425س8.

[227] الفتوحات المكية: ج4ص425س11.

[228] الفتوحات المكية: ج2ص202س22.

[229] كتاب أيّام الشأن: ص11.

[230] الفتوحات المكية: ج2ص826.

[231] الفتوحات المكية: ج1ص122س29.

[232] الفتوحات المكية: ج3ص548س29.

[233] الفتوحات المكية: ج2ص520س33، ج3ص127، ج3ص335.

[234] الفتوحات المكية: ج2ص171س23.

[235] الفتوحات المكية: ج1ص7822.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!