موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

أيّام الأفلاك والأسماء الإلهية


بعدما عرّف ابن العربي اليوم الطبيعي على الأرض بشكل فلكيّ دقيق، يعمّم نفس الفكرة على بقيّة الأفلاك السماوية وكذلك على الأسماء الإلهية، فيقول إنّ لكلّ فلك يوماً خاصاً به وهذه الأيّام تتراوح في الطول من اليوم الفرد الذي هو الحدّ الأدنى كما رأينا إلى يوم الدّهر الذي لا نهاية له في الطول.

فيقول في الفتوحات المكية إنّ الأيّام متفاضلة؛ فيوم نصف دورة ويوم دورة كاملة ويوم من ثمان وعشرين دورة وأكثر من ذلك إلى يوم المعارج وأقل من ذلك إلى يوم الشؤون وما بين هذين اليومين درجات متفاضلة للأيّام.[213] فالحدّ الأدنى للأيّام هو يوم الشأن الذي يعادل في الحقيقة اليوم الأرضي الطبيعي إذا ما أخذناه على مستوى العالَم كما قلنا من قبل،[214] وأمّا يوم الدّهر الذي هو الحدّ الأقصى في الطول للأيّام فهو يوم واحد لا يتكرّر ولا ليل له ولا نهار،[215] كما سنرى بمزيد من التفصيل بعد قليل.

وكما قرّرنا أعلاه أنّ المعنى الحقيقي لليوم هو الدورة الكاملة التي يتمّ فيها خلق الفلك وما يحتويه، ففي اليوم الفرد يخلق الله تعالى في الجوهر الفرد صورة واحدة، وفي يوم الأرض يخلق الله تعالى العالَم في صورة واحدة (وبالتالي فهو يكافئ اليوم الفرد بالنسبة لكلّ صورة جزئيّة على حده) وهكذا ففي كلّ يوم خاص لفلكٍ معيّن أو اسمٍ إلهيّ معيّن يعمّ تأثير هذا الفلك أو الاسم الإلهي على جميع جزيئات العالَم، وهكذا فإنّ جميع الصور التي يريد الله تعالى أن ينشئها في العالَم (وهي لا نهائية) لا تزال ترد علينا في هذا اليوم الأقصى الذي هو يوم الدّهر الذي لا يتكرّر.

وهنا أيضاً يجب أن نفرّق بين دورة الفلك حول نفسه بالنسبة إلى الشمس ودورته بالنسبة إلى النجوم البعيدة؛ فالتعريف الثاني هو الأدق نظراً لكون النجوم البعيدة ثابتة تقريباً خاصة عندما تُؤخذ على فترات زمنيّة قصيرة كاليوم والشهر والسنة.

ولقد ذكرنا من قبل في الفصل الأوّل أنّ ابن العربي يؤكّد في مواضع كثيرة في الفتوحات المكية وغيرها من الكتب الأخرى أنّ النجوم التي نسميها ثابتة ليست في الحقيقة ثابتة وإنّما نحن لا نستطيع إدراك حركتها بسبب بُعدها عنّا وقصر أعمارنا،[216] وقال إنّ أسرع نجم فيها يستغرق ستة وثلاثين ألف سنة ليدور دورة واحدة في فلكه وهذا لم يُكتشف إلاّ في العلم الحديث وهو يتّفق بشكل جيّد مع القياسات الحديثة لهذه الحركة المسمّاة الحركة الحقيقية للنجوم (Proper Motion) على مرمى خط النظر، وهي تختلف عن الحركة الظاهرية السريعة والتي تنشأ في الحقيقة من حركة الأرض وليست حركة فعليّة لهذه النجوم. في الحقيقة، كما هو الأمر في الفيزياء الحديثة وعلم الكون، يفرّق ابن العربي بين نوعين من الحركة الأوّل حركة قسريّة إجبارية والثاني حركة طبيعية، حيث يقول في الفتوحات المكيّة إنّ أصغر الأيّام هي التي نعدّها حركة الفلك المحيط الذي يظهر في يومه الليل والنهار (وهو الفلك الأطلس) فهذا هو أقصر يومٍ عند العرب وهو لأكبر فلك، وذلك لِحُكمه على ما في جوفه من الأفلاك إذ كانت حركة ما دونه في الليل والنهار حركة قسرية له قهَر بها سائر الأفلاك التي يحيط بها. ولكلّ فلك حركة طبيعية تكون له مع الحركة القسرية؛ فكل فلك دونه ذو حركتين في وقت واحد حركة طبيعية وحركة قسرية، ولكل حركة طبيعية في كل فلك يومٌ مخصوصٌ يُعدُّ مقداره بالأيّام الحادثة عن الفلك المحيط المعبّر عنها بقوله تعالى في سورة الحج [47] وسورة السجدة [5]: ﴿مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ وكلها تقطع في الفلك المحيط، فكلّما قطعته على الكمال كان يوماً لها ويدور الدور. فأصغر الأيّام منها هو ثمانية وعشرون يوماً مِّمَّا تَعُدُّونَ وهو مقدار قطع حركة القمر في الفلك المحيط.[217]

لذلك وطبقاً للكلام السابق فإنّ القمر يدور بشكل طبيعي حول الأرض في غضون ثمانية وعشرون يوم بينما في نفس الوقت هي تتحرّك ومعها القمر حول الشمس التي أيضاً تتحرّك مع مجموعتها حول مركز المجرّة. لذلك فإنّ كلّ حركة لأي كوكب تعرّف يوماً خاصّاً ولكنّ مقدار هذا اليوم يختلف بحسب المرجع الذي نعتمده للقياس، وربّما يكون هذا هو السبب أنّ ابن العربي يعدّ أنّ يوم القمر يساوي ثمانية وعشرين يوماً تماماً ويوم الشمس يساوي 360 يوماً تماماً، وهذا يختلف بشكلٍ واضحٍ عن الأرقام المعروفة لدينا الآن، وسوف نعود للحديث عن سبب هذا الاختلاف في الفصل القادم إن شاء الله تعالى.

وبشكلٍ عامٍّ يمكن أن نقول أنّ العلاقة بين طول اليوم وقصره وبين الأفلاك أنّ الفلك الأبعد يومه أكبر رغم أنّ هناك عوامل أخرى مثل سرعة دوران الكوكب نفسه، فأصغر الأيّام هو يوم الأرض وهو أربع وعشرون ساعة ثمّ يوم القمر وهو ثمانية وعشرون يوماً أرضياً ثم يوم الشمس وهو 360 يوماً كما يقرّرها ابن العربي.[218]

من جهة أخرى، فكما هو الوضع في العالَم المادّي والأفلاك السماوية فإنّ ابن العربي يضيف أنّ كلّ اسم إلهي له يوم خاص به وذلك يتعلّق بمدّة تأثيره في العالَم، وقد ذكر الله تعالى بعض هذه الأيّام في القرآن الكريم في مثل قوله في سورة المعارج: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)﴾، وفي سورة السجدة: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)﴾. وكذلك يذكر ابن العربي بعض الأيّام الأخرى مثل يوم المثل الذي يساوي 7000 سنة،[219] ويوم يساوي 6454.54545 سنة، مع أنّه لا يذكر الاسم الذي له هذا اليوم.[220] وكذلك يذكر ابن العربي يوماً آخر يقول إنّه يساوي 3000 سنة، ولكن يقول إنّه لا يعرف الاسم الموافق له.[221] والجدول التالي يبيّن بعض هذه الأيّام التي ذكرناها أعلاه:

يوم … 

طوله حسب أيّام الأرض التي نعدّها:

القمر

 28 يوماً

الشمس

 360 يوماً = 1 سنة

عطارد

~ 30 سنوات

الرب

1000 سنة

المثل

7000 سنة

ذي المعارج

50,000 سنة

فلك البروج

 12,000 سنة

أطول يوم في النجوم

 36,000 سنة

جدول 1: أيّام بعض الأفلاك السماوية والأسماء الإلهية كما جمعناها من الكتب المختلفة لابن العربي.


[213] الفتوحات المكية: ج3ص433س35.

[214] انظر أيضاً في الفتوحات المكية: ج1ص292س16.

[215] الفتوحات المكية: ج1ص292س17، ج3ص202س5.

[216] الفتوحات المكية: ج1ص141س17، ج3ص549س3.

[217] الفتوحات المكية: ج1ص121س25.

[218] الفتوحات المكية: ج2ص441س29

[219] كتاب أيّام الشأن: ص18.

[220] الفتوحات المكية: ج1ص121س23.

[221] الفتوحات المكية: ج3ص238س13.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!