موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

الزّمن الطبيعي والزّمن الروحاني


كما أسلفنا في المقدمة فإن ابن العربي يُميّزُ بين نوعين من الزّمن؛ الزّمن الطبيعي والزّمن الروحاني أو فوق الطبيعي؛ فالأوّل يُستعملُ لمُقارنة حركة الأجسام والأجرام السماوية، بينما النوع الآخر يُستعملُ لمُقارنة التغيّرات في الحالة الروحانية، مثل الإدراك والمعرفة. وبالتالي فإنّ الشيخ يؤكد أنّ وجود الزّمن لا يتطلّبُ وجود المادة بالضرورة،[111] لأنّ هناك زمن يرتبطُ بحركة المادّة التي هي تحت تأثير الطبيعة، وزمن يرتبطُ بالحركة غير المادّيّة التي هي فوق تأثير الطبيعة أي في العالَم الروحاني.

إذن فالزّمن الطبيعي هو الزّمن المعروف في الفيزياء وعلم الكون وهو الذي نقيسهبالساعات والأيّام والشهور والسنين، أما الزّمن فوق الطبيعي فهو الزّمن الروحاني أو النفسانيالذي نشعر به حتى عندما يكون كُلّ شيء حولنا ساكناً بلا حراك، وذلك لأن حالتنا الروحانية دائماً في تغيّر مستمرّ، ما لم نذهب في نوم عميق. ويبدو، على الأقل محليّاً على الأرض، أنّ الزّمن الطبيعي يتدفّق بشكل موحّد وبشكل مستمر، بينما يعتمدُ الزّمن النفساني كثيراً على المزاج، كما أشار ابن الفارض إلى ذلك بشكل رائع في إحدى قصائده:

وفي وصلها عامٌ لديّ كلحظةٍ

وساعة هجرانٍ لديّ كعامِ[112]

وأيضاً يقول ابن العربي أنّ الدقائق تصبح كالسنوات أثناء النوم.[113] يُضاف إلى ذلك المثال الشهير الذي يذكره الله تعالى في القرآن الكريم عن أصحاب الكهف.[114] وسوف نُناقشُ هذه الخاصيّة النسبيّة للزمن في هذا الفصل بعد قليل.

لذلك يقُولُ ابن العربي إنّ الزّمان منه ما هو فوق الطبيعة، وهو مذهب المتكلّمين، ومنه ما هو تحت الطبيعة فله الحكم العامّ. فالذي له من الحكم تحت الطبيعة فحكمٌ جسماني يتميّز بحركات الأفلاك. والزّمان في نفسه معقول والطريق إلى معقوليته الوهم، فهو امتدادٌ متوهَّمٌ تقطعه حركات الأفلاك، كالخلاء امتدادٌ متوهَّمٌ لا في جسم؛ فحاصله على هذا القول أنّه عدمٌ لا وجودٌ. وأمّا الزّمان الذي فوق الطبيعة فتميّزه الأحوال وتعيّنه في أمرٍ وجوديّ يُلقيه إلى العقل الاسم الإلهي "الدّهر" وتصحبه لفظة "متى" في لسان العرب؛ فـ"متى" تصحب الزّمان الطبيعي وغير الطبيعي.[115]

لذلك فعندما يقول ابن العربي إنّ أصل وجود الزّمن الطبيعةُ، التي مرتبتها تحت النفس الكلّيّة وفوق الهيولى الكلّ،[116] فهذا يشير في الحقيقة إلى الزّمن الطبيعي الذي يُستعملُ لمُقارنة حركة الأجسام والأجرام السماوية، بينما الزّمن الروحاني، الذي يُستعملُ لمُقارنة تغيّر الأحوال الروحانية، فقد سبق وجودُه وجودَ العالَم الطبيعي المادي. وهذه النتيجة على غايةٍ كبيرةٍ من الأهمّيّة ولم يقل بها أحدٌ من الفلاسفة أو العلماء من قبل؛ أي وجود زمن قبل خلق العالَم بهذا الشكل ولكنّها تدعم رأي أرسطو أنّ العالَم قد وُجد في الزّمان، وإنما ليس في الزّمان الطبيعي. فإذن إنّ العالَم الطبيعي له بداية محدَّدة في الزّمن فهو عالَمٌ مُحدثٌ، وهذا ما يصرّح به ابن العربي في مواضع كثيرة بخلاف ما يتَّهمُهُ به ابن تيميَّةَ وغيره بأنه يقول بقِدمِ العالَم.[117]


[111] الفتوحات المكية: ج4ص337س5.

[112] انظر في: ديوان ابن الفارض، تحقيق د. عبد الخالق محمود (القاهرة: دار أين للدراسات الإنسانية والاجتماعية، 1995), ص344، قصيدة 15، سطر30.

[113] الفتوحات المكية: ج4ص337س1.

[114] سورة الكهف: 18-25، وانظر أيضاً في الفتوحات المكّيّة: ج2ص9س21.

[115] الفتوحات المكية: ج1ص377س12.

[116] الفتوحات المكية: ج3ص548س19.

[117] لقد أوضحنا هذه المسألة في كتاب شمس المغرب، الفصل السابع: ص424.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!