موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

الزّمن في الفلسفة الغربية


إن فكرة أرسطو للزمن الدائري، التي تعتبر العالم أبدياً، لم تكن مقبولةً من قبل أكثر علماء الدين من الأديان الثلاثة الإبراهيمية: الإسلام والمسيحية واليهودية، الذين يعدّون الزّمن خطّيّاً يبدأ بالخلق وينتهي بالقيامة. من أجل ذلك قام القديس أوغسطين، ولاحقاً توماس أكويناس، بالاعتراض على آراء أرسطو باعتبار أنّ التجربة الإنسانية في العالم هي رحلة ذات اتجاهٍ واحد من التكوين إلى القيامة، بغضّ النظر عن أيّ أدوار زمانية طبيعية، ولقد تبنى نيوتن هذه الرؤية لاحقاً في عام 1687 عندما مثّل الزّمن رياضياً باستعمال الخطّ بدلاً من الدائرة.

كما لاحظنا أعلاه، كان هناك نقاش طويل في الفلسفة الإغريقية حول موضوعية الزّمن؛ هل هو موجود مستقل أم أنه أداة عقلية فقط. وكذلك يقول أوغسطين معترفاً بالحيرة في ذلك إنّ الزّمن لا شيء في الحقيقة، لكنّه يوجد (في العقل) من جرّاء إدراك الإنسان للحقيقة. من الناحية الأخرى، قال هنري الغانتي (توفي 1293)،[68] وكذلك جايلز الرومي (توفي 1316)،[69] كلاهما قال بأنّ الزّمن يوجد في الواقع كشيء مستقل عن العقل ولكن العقل يقسمه إلى ماض وحاضر ومستقبل. ولكن إسحق نيوتن كما أشرنا اعتبر الزّمان (والمكان) كمية مستقلة موجودة سواء بوجود المادة أو بعدم وجودها، وهذه الرؤية انتقدها لايبنتز بشدة وقال بأنّ المكان لو كان مستقلاً عن الأشياء التي توجد فيه لكان منتظماً ومتجانساً، وبالتالي وصل إلى نفس النتيجة التي وصلت إليها نسبية آينشتاين غير أنه لم يقم أبداً بوضع ذلك في إطار نظريّة ومعادلات رياضية كما فعل الأخير.[70]

كذلك رفض نيوتن ربط أرسطو بين الزّمن والحركة وقال بأنّ الزّمن موجود بشكل مستقل عن الحركة وكذلك موجود حتى قبل خلق الله للعالم؛ فالزّمان والمكان يحويان العالم بما فيه من أحداث وأجسام. بعد ذلك أصبحت هذه النظريّة تُعرف باسم النظريّة المطلقة للزمن، في حين تبنّى لايبنتز كما قلنا نظريّة الترابط بين العالم والزّمن وقال إنّ الزّمن لا يوجد بشكل مستقل عن الأحداث أبداً.

في القرن الثامن عشر، قال الفيلسوف كانْت إنّ تفكيرنا وعقلنا يعطي للزمن البنية الخطية الخاضعة للهندسة الإقليدية، ولكن هذا الرأي تغيّر مع ظهور الهندسة اللاإقليدية حيث يمكن تخيل الزّمان والمكان بشكل غير خطي.[71] ويوضح كانْت في نقده للعقل والمنطق أن رؤيتنا الحالية للزمن تؤدي إلى تناقض منطقي سواء فيما إذا فرضنا أن العالَم له بداية في الزّمن أو ليس له بداية في الزّمن؛ فلو فرضنا أنه ليس للعالم بداية في الزّمن فهذا يعني أنه في أيّ لحظة هناك عدد لا نهائي من الأحداث سبقت هذه اللحظة، وهذا لا يجوز! أما إذا فرضنا أن هناك بداية في الزّمن، فهذا يعني أن هناك أوقات فارغة لم يكن فيها الكون موجوداً، وهذا أيضا لا يجوز ![72] ونشير هنا إلى أنّ لايبنتز كذلك استخدم نفس هذه الحجّة لإثبات ارتباط العالم بالزّمن. وفي الحقيقة فإن هذه الحجة قديمة استخدمها أيضاً الفيلسوف المسلم الكندي كما رأينا أعلاه. وعلى كل حال سوف نرى في الفصل الثّاني أنّ ابن العربي يخرج من هذا التناقض بفرَض أنّ الله يخلق العالم بشكل مستمرّ وأنّ الخلق يتجدّد في الزّمن في حين أنّ العالَم ككل هو خارج عن الزّمن.

وفي إطارٍ آخر، في مقالة مشهورة في مجلة "العقل" (MIND)، يحاول مك-تكارد (McTaggart) إثبات وهمية الزّمن حيث يقول إن هناك طريقتان لترتيب الأحداث؛ الأولى تعتمد على "المستقبل" و"الماضي" و"الحاضر"، والثانية تعتمد على "قبل" و"بعد". ثمّ يقول إنّ الطريقة الأولى تؤدي إلى تناقض لأن الحدث الذي هو ماضٍ في وقت ما قد كان حاضراً أو مستقبلاً في وقت آخر، بينما الطريقة الثانية تعدّ أدق تعبيراً لأن الحدث الذي هو قبل أو بعد حدث آخر هو دائما كذلك. فيخلص إلى النتيجة أنّ الطريقة الأولى التي تشير إلى الزّمن متناقضة بينما الطريقة الثانية التي لا تشير إلى الزّمن متماسكة في كل الأوقات.[73]

من الناحية الأخرى، كما هو الحال في الفلسفات الأخرى التي درسناها أعلاه،كان هناك أيضاً نقاش وجدال واسع حول بنية الزّمان وهل هو كمية منفصلة أو كميةمتصلة؛ فكان أكثر الفلاسفة الغربيين يعدّون الزّمن كمية متصلة، وخاصة بعد تقدم نظريّة نيوتن في الجاذبية وقدرتها على تفسير الكثير من الظواهر الكونية، ولكن بعد نجاح ميكانيكا الكمّ بدأت فكرة الزّمن الكمّي تنتعش من جديد على الرغم من أن نظريّة الكمّ نفسها لا تزال تعتبر الزّمن كمية متصلة وليست منفصلة.[74]


[68] وهو فيلسوف بارز وعالم دين عاش في القرن الثالث عشرِ، معروف من خلال أعمالِه مع أن حياته غير معروفة، ولد في بلجيكا وتوفي في باريس سنة 1293. (الموسوعة الكاثوليكية"Henry of Ghent")

[69] عالم دين وفيلسوف كان رئيس الأساقفة ومن أبرز المدافعين عن المذهب الفلسفي للقديس أوغسطين. ولد سنة 1243 في روما ومات سنة 1316.

[70] انظر في:

G. MacDonald Ross,Leibniz(Oxford: Oxford University Press, 1984), p. 47.

وانظر أيضاً في:

S. Sambursky, S. Pines,The Concept of Time in Late Neoplatonism(Brill Academic Pub, 1987).

[71] الهندسة الإقليدية تستند على أفكار إقليديس (300 قبل الميلاد)، الذي ذكر خمس مسلّمات بنى عليها كلّ نظرياته. وطبقاً لهذه المسلّمات فإنّ الفضاء متجانس ومنتظم في جميع الجهات. لكن في علم الكون الحديث وبعد نظريّة النسبيّة العامّة أصبح من الممكن تصوّر فضاء غير متجانس قرب الحقول الجاذبية القويّة عند النجوم والمجرات. انظر في:

Patrick J. Ryan,Euclidean and Non-Euclidean Geometry(Cambridge: Cambridge University, 1986).

[72] انظر في:

Kant,Critique of Pure Reason, trans. and ed. Paul Guyer and Allen W. Wood (Cambridge: Cambridge University Press, 1998), pp. 158, 176.

[73] انظر في:

John Ellis McTaggart, 'The Unreality of Time', inMind: A Quarterly Review of Psychology and Philosophy, issue 17 (1908): pp. 456-473.

وانظر أيضاً في:

Heather Dyke, 'The Truth about Time', inTime, Reality & Experience, ed. Craig Callender (Cambridge: Cambridge University, 2002), pp. 137-152.

[74] انظر في:

Henry Mehlberg, 'Philosophical Aspects of Physical Time', inBasic Issues in the Philosophy of Time, ed. Eugene Freeman & Wilfrid Sellars (Illinois: Open Court Publishing, 1971), pp. 16-71.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!