موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

مقدمة الكتاب


بسم الله الرَّحمن الرّحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الله تعالى في سورة الأعراف: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾، ثم قال سبحانه في سورة إبراهيم: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)﴾، وقال أيضاً في سورة الرَّحمن: ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)﴾.

يعدّ موضوع الزّمن أساساً لا بدّ من دراسته من أجل فهم كيفية خلق الله سبحانه وتعالى للعالَم وفهم علاقة هذا العالَم بخالقه من جهة وعلاقة أجزائه ببعضها البعض من جهة أخرى، وبالتالي تفسير الحركة؛ سواء حركة الأجرام السماوية في الأفلاك أو حركة الأجسام المرئيّة وغير المرئيّة كالذرّات والجسيمات الأوّلية وكذلك الأمواج وحتى العالَم الغيبي كالجنِّ والملائكة.

ولقد كان هذا الموضوع الهاجس الأوّل للعديد من الفلاسفة والحكماء على مدى العصور، وكذلك علماء الكون والفيزياء على مدى القرون السابقة وخاصّة في العقود الأخيرة مع ظهور النظريّات العلميّة الحديثة كالنظريّة النسبيّة ونظريّة الكمّ ونظريّة الأوتار الفائقة وغيرها.

من جهة أخرى فإنّ موضوع الزّمن كان أيضاً من أهم الموضوعات التي عالجتها الكتب السماوية كالتوراة والقرآن الكريم، ولو أنّ ذلك لم يكن بشكلٍ مباشِرٍ كما هو الحال بالنسبة للنظريّات العلمية المذكورة أعلاه.

تجدر الإشارة إلى أنّ كلمة الزّمن أو الزّمان لم ترد في القرآن الكريم مطلقاً بهذا الجذر (ز م  ن)، في حين وردت آيات كثيرة تتكلّم عن النهار والليل والأيّام والشهور والسنين، ولعلّ ذلك من معجزات القرآن الكريم الخفيّة حيث إنّنا سنجد أن الزّمن في الحقيقة أمرٌ وهميٌّ ولا يوجد إلاّ على شكل أيّام ومركّباتها وليس على شكل دقائقَ وثوانٍ كما نتعامل معه ونقيسه بشكل اصطلاحي في حياتنا اليومية.

وبالتالي فإنّ القرآن يَعدُّ الزّمن دائريّاً ومكمّماً وليس خطّياً مستمرّاً كما هو الحال في أغلب النظريّات العلميّة بدءً من نظريّة نيوتن في علم الميكانيكا الكلاسيكي وانتهاءً بالنظريّة النسبيّة وحتى ميكانيكا الكمّ المبنيّ على أساس التكميم، مع أن هناك بعض النظريّات الحديثة التي حاولت دراسة الزّمن على أساس أنّه كمية منفصلة ولكنها لم تنجح في ذلك حتى الآن.

فعلى مدى التاريخ ظهرت نظريّات فلسفيّة وعلميّة عديدة تحاول حلّ لغز الزّمن وفهم كيفيّة احتوائه للعالم، وقد برز في هذا الخصوص اتجاهان أساسيان متعاكسان: الأوّل يعدّ الزّمن كمية متصلة يمكن أن تنقسم بشكل لا نهائي في الصغر، والثاني يعدّه كمية منفصلة بحيث لا بدّ من وجود حدّ أدنى للقسمة يسمى الكمّ أو الذرّة بحيث لا يمكن أن يوجد زمن أصغر منه.

وبشكل عام فقد أثبتت النظريّات المتّصلة الخطّية (كنظريّة نيوتن) جدارتها واتّفاقها مع الواقع المحسوس واتّفاقها أيضاً مع النتائج التجريبية كدراسة حركة الكواكب في السماء وحركة الأجسام المختلفة على الأرض. ولكنّ هذه النظريّات عجزت عن تفسير الظواهر التي تحدث في العالَم الصُغري داخل الذرّة وبين الجسيمات الأوّلية.

ومع أنّ النظريّات الحديثة كنظريّة النسبية ونظريّة الكمّ حلّت الكثير من المشاكل والمعضلات في النظريّات السابقة إلاّ أنّها لا تزال تقف حائرةً عندما يتعلّق الموضوع بالزّمن، حيث تحدث أمورٌ على المستوى الذرّي لا يمكن تفسيرهوفق النظريّات المتّصلة للزمن ولا حتى وفق النظريّات المنفصلة (الكمّيّة)، ولا تزالأكثر هذه المعضلات قائمةً حتى الآن.

ويبدو أن السبب في فشل النظريّات العلميّة (وخاصة المنفصلة) في تفسير الظواهر التي تتعلّق بالزّمن على المستوى الصُّغَري يعود إلى عدم صحّة طريقة تكميم الزّمن، إذ يبدو أنّ الزّمن مكمّمٌ ولكن بطريقة تختلف عن الطريقة المعتادة في تكميم الطاقة مثلاً.

ومن هنا تبرز أهمية دراسة مفهوم الشيخ محي الدين ابن العربي للزمن وطريقة تكميمه والتي تعتمد بشكلٍ كلّيٍّ على آياتٍ واضحةٍ من القرآن الكريم، غير أنّ أحداً لم يُشر إلى هذا المفهوم البديع من قبل، لا قبل الإسلام ولا بعده، ولا قبل ابن العربي ولا بعده، وحتى ابن العربي نفسه ما ذكرها بشكل صريح في مكان محدَّد ولكنّه نثرها في كتبه المختلفة وبقيت دفينة طوال هذه القرون الثمانية التي تلت وفاته رحمه الله.

يُعدّ ابن العربي أحد أبرز العلماء في التاريخ الإسلامي وخاصةً فيما يتعلق بالتصوف والفكر الإسلامي والعلوم الإلهية. فمنذ بداية شبابه دخل طريق التصوّف وبرع فيه فكان من أبرز الشيوخ في هذا المجال وتركلنا مئات الكتب البديعة التي لا يزال العلماء يستخرجون بعض دُرَرها.

وفي العصر الحديث بدأ الاهتمام به وبعلومه يزداد بشكلٍ كبيرٍ وقد تُرجم العديد من كتبه إلى اللغات الأجنبية وتوجد بعض المجلات العلمية المتخصصة في نشر الأبحاث التي تتعلَّق به، ومع ذلك فهو في الحقيقة لم يحظَ بالاهتمام اللائق به في حين إنّ غيره من المفكرين المسلمين قد دُرسوا بالتفصيل على العديد من المستويات الأكاديمية والثقافية. وربما يعود السبب في ذلك إلى صعوبة دراسة الشيخ محي الدين والأسلوب الرمزيّ الذي يتّبعه في معظم كتبه بالإضافة إلى تعقيد الموضوعات التي يناقشها وصعوبة فهمها كونها في كثير من الأحيان تخالف الواقع الملموس.

وبخصوص رؤية الشيخ محي الدين عن الزّمن تحديداً، فليس هناك أيّة دراسات تفصيليّة سابقة لهذا الموضوع ربّما بسبب غموض الموضوع كما ذكرنا، يُضاف إلى ذلك أنّ الشيخ نفسه لم يناقش هذا الموضوع بالتفصيل في أيّ موضعٍ مخصّص في أعماله الموجودة، ولا حتى في الأبواب 59 و291 و390 من الفتوحات المكية والتي تتعلّق عناوينها بموضوع الزّمن مباشرة، بل نثر رؤيته البديعة للزمن في شتى أنحاء كتبه وخاصّة في الفتوحات المكية، في حين أن الكتاب الوحيد الذي خصّصه لموضوع الزّمن على ما يبدو من عنوانه، وهو "كتاب الزّمان (وهو كتاب تج)"،[1]  لا يزال يُعدّ مفقوداً حتى الآن.

وسوف نجد مع نهاية هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أنّرؤية الشيخ محي الدين للزمن والخلق في ستّة أيّام تُعدُّ رؤية فريدة لم تُستكشفبعدُ، مع أننا وجدنا من الفحص الأوّل لها أنّها قادرة على حلّ العديد من المعضلات المستعصية في الفيزياء الحديثة وعلم الكون كما سنرى في الفصل السابع.


[1] راجع "مؤلفات ابن عربي تاريخها وتصنيفها"، تأليف عثمان يحيى، ترجمة أحمد الطيبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة، 2001، الكتاب رقم: 508 (838).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!