The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الجلال والجمال

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

بِسْمِ الله اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ به الحول والقوة الحمد لله العظيم جلاله لظهور جماله، القريب فى دنوه، الرقيب فى سموه، ذى العزة والسناء والعظمة والكبرياء الذى جلت ذاته ان تشبه الذوات وتعالت عن الحركات والسكنات والحيرة والالتفات وعن درك الاشارات والعبارات كما جلت عن التكليف والحدود وعن النزول بالحركة والصعود وعن الاستواء المماس للمستوى عليه والقعود وعن الهرولة لطلب المقصود وعن التبشبش المعهود للقاء المفقود اذا صح منه المقصود كما جلت ان تفصل او تجمل او يقوم بها ملل او تتغير باختلاف الملل او تلتذ او تتألم بالعمل او توصف بغير الازل كما جلت عن التحيز والانقسام او يجوز عليها ما تتصف به الاجسام او تحيط بكنه حقيقتها الافهام او تكون كما تكيفها الاوهام او تدرك على ما هى عليه من اليقظة او المنام او تتقيد بالاماكن والايام او يكون استمرار وجودها بمرور الشهور عليها والاعوام او يكون لها الفوق او التحت او اليمين او الشمال او الخلف او الأمام او تضبط جلالها النهى او الاحلام كما جلت ان تدركها العقول بافكارها او ارباب المكاشفات باذكارها او حقائق العارفين باسرارها والوجوه بابصارها على ما يعطيه جلال مقدارها لانها جلت عن القصر خلف حجبها واستارها، فهى لا تدرك فى غير انوارها كما جلت ان تكون على صورة الانسان او تفقد من وجود الاعيان او يرجع اليها حالة لم يكن عليها من خلقها الاكوان او تكون فى تقييد ظرفية السوداء الخرساء وان ثبت لها بها الايمان او تتحيز بكونها تجلى فى العيان او ينطلق عليها الماضى او المستقبل او الآن كما جلت ان تقوم بها الحواس او يقوم بها الشك والالتباس او تدرك بالمثال او القياس او تتنوع كالاجناس او يوجد للعالم طلبا للايناس او يكون ثالث ثلاثة للجلاس كما جلت عن الصاحبة والولد او يكون لها كفؤا احدا ويسبق وجودها عدم او توصف بجارحة اليد والذراع والقدم او يكون معها غيرها فى القدم كما جلت عن الضحك والفرح المعهودين بتوبة العباد وعن الغضب والتعجب المعتاد وعن التحول فى الصور كما يكون فى البشر فسبحانه من عزيز فى كبريائه وعظيم فى بهائه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.

اما بعد فان الجلال والجمال مما اعتنى بهما المحققون العالمون بالله من اهل التصوف وكل واحد منهما نطق فيهما بما يرجع الى حاله وان اكثرهم جعلوا الانس بالجمال مربوطا والهيبة بالجلال مربوطة وليس الامر كما قالوه وهو ايضا كما قالوه بوجه ما وذلك ان الجلال والجمال وصفان لله تعالى والهيبة والانس وصفان للانسان فاذا شاهدت حقائق العارفين الجلال هابت وانقبضت واذا شاهدت الجمال انست وانبسطت فجعلوا الجلال للقهر والجمال للرحمة وحكموا فى ذلك بما وجدوه فى انفسهم واريد إن شاء الله ان ابين عن هاتين الحقيقتين على قدر ما يساعدنى الله به فى العبارة.

فاقول اولا ان الجلال لله معنى يرجع منه اليه وهو منعنا من المعرفة به تعالى والجمال معنى يرجع منه الينا وهو الذى اعطانا هذه المعرفة التى عندنا به والتنزلات والمشاهدات والاحوال وله فينا امران الهيبة والانس وذلك لان لهذا الجمال علوا ودنوا فالعلو نسميه جلال الجمال وفيه يتكلم العارفون وهو الذى يتجلى لهم ويتخيلون انهم يتكلمون فى الجلال الاول الذى ذكرناه وهذا جلال الجمال قد اقترن معه منا الانس والجمال الذى هو الدنو قد اقترنت معه منا الهيبة فاذا تجلى لنا جلال الجمال انسنا ولو لا ذلك لهلكنا فان الجلال والهيبة لا يبقى لسلطانهما شىء فيقابل ذلك الجلال منه بالانس منا لنكون فى المشاهدة على الاعتدال حتى نعقل ما نرى ولا نذهل واذا تجلى لنا الجمال هنا فان الجمال مباسطة الحق لنا والجلال عزته عنا فنقابل بسطه معنا فى جماله بالهيبة فان البسط مع البسط يؤدى الى سوء الادب وسوء الادب فى الحضرة سبب الطرد والبعد ولهذا قال من المحققين ممن عرف هذا المعنى اقعد على هذا البساط واياك والانبساط فان جلاله فى انفسنا يمنعنا فى الحضرة من سوء الادب كما ان هيبتنا فى جماله وبسطه معنا يمنعنا من سوء الادب فكشف اصحابنا صحيح وحكمهم بان الجلال يقبضهم وان الجمال يبسطهم غلط واذا كان الكشف صحيحا فلا نبالى فهذا هو الجلال والجمال كما تعطيه الحقائق.

واعلم ان القرآن يحوى على جلال الجمال وعلى الجمال فاما الجلال المطلق فليس لمخلوق فى معرفته مدخل ولا شهود انفرد الحق به وهو الحضرة التى يرى فيها الحق سبحانه نفسه بما هو عليه فلو كان لنا فيه مدخل لأحطنا علما بالله وبما عنده وهذا محال.

واعلم يا اخى ان الله تعالى لما كانت له الحقيقتان ووصف نفسه باليدين وعرفنا بالقبضتين خرج على هذا الحد الوجود فما فى الوجود شىء الا وفيه ما يقابله وغرضنا من هذه المقابلة ما يرجع الى الجلال والجمال خاصة واعنى بالجلال جلال الجمال كما ذكرنا فليس فى الحديث المأثور عن المخبرين عن الله تعالى شىء يدل على الجلال الا وفيه ما يقابله من الجمال وكذلك فى الكتب المنزلة وفى كل شىء كما انه ما من آية فى القرآن تتضمن رحمة الا ولها اخت تقابلها تتضمن نقمة كقوله تعالى (غافِرِ اَلذَّنْبِ وقابِلِ اَلتَّوْبِ) يقابله (شَدِيدُ اَلْعِقابِ) وقوله (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ) يقابله (وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ اَلْعَذابُ اَلْأَلِيمُ) وقوله (أَصْحابُ اَلْيَمِينِ ما أَصْحابُ اَلْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) الآيات يقابلها (وأَصْحابُ اَلشِّمالِ ما أَصْحابُ اَلشِّمالِ فِي سَمُومٍ وحَمِيمٍ) الآيات وقوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) يقابلها (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) وقوله (يَوْمَ) (تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) يقابله (وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) وقوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً) الآيات يقابله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ) وقوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) يقابله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) واذا تتبعت القرآن وجدته كله فى هذا النوع على هذا الحد وهذا كله من اجل الرقيبتين الالهية فى قوله (كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ) وقوله (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها) وقوله فى المعطى المصدق (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) ويقابله فى البخيل المكذب قوله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) فاعلم، وهكذا ايضا آيات الجلال والجمال فى كتاب الله وانا احب ان اذكر من آياتهما قليلا واتكلم عليها من طريق الاشارات بما تدركه الافهام المتفرغة لطلب هذه المعانى المقدسة عن الكدورات البشرية والشهوات الحيوانية والله يؤيد بالعصمة والاصابة فى القول والعمل آمين بعزته وأجعلها اشارات بدلا من قولنا فصل او باب وأبتدى بآية الجلال ثم اردفها بآية جمالها ثم أنتقل الى آية جلال اخرى على هذا الحد إن شاء الله وقد يكون للآية وجهين ، وجه فى الجلال ووجه فى الجمال فاسوقها بعينيها فى الجلال والجمال لكونها تتضمن التقابل ان شاء الله تعالى.

اشارات الجلال

. قال الله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وهذه آية تقابلها فيها وتقابلها ايضا تمامها وهو قوله (وهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ) ويقابلها من الاحاديث قوله عليه السلام

«ان الله خلق آدم على صورته» فاعلم يا من غرق فى بحر المشاهدة ان المثلية فى الجلال معقولة كما ان المثلية فى الجمال لغوية فنفى بهذه الآية المماثلة التى فى الاشتراك فى صفات النفس وهنا بحور عظام منها ان المماثلة بين الشيئين لا يقضى بالكمال فيهما والفضائل وغير ذلك فان تماثلا من طريق صفات النفس فقد تماثلا او تناقضا من طريق صفات المعانى كرجلين قد اشتركا فى صفات النفس الواحد منهما عاجز قاصر جاهل ابكم اعمى اصم والآخر عالم قادر مريد متكلم بصير سميع وقد جمعهما حد واحد وهو انهما حيوان ناطق مائت مثلا فاذا كان ذلك فهى اشارة فافهم كما يقع الاشتراك والتماثل فى صفات المعانى ولا يقع الاشتراك بالمثلية وان كانت حقيقة الشىء من صفات نفسه فتعدد ويشتركه شىء آخر فى بعضها فليس ذلك الشىء بمثل لذلك الشىء الآخر من جميع الوجوه كالحيوان الذى يطلق على الانسان وعلى البهمية فليس الانسان بمثل للفرس لان من شرط المثلية الاشتراك فى جميع الصفات النفسية ولا يكون ذلك الا فى اشخاص النوع الواحد.

وهذه المثلية تسمى عقلية فلتكن هذه المماثلة الكاملية الكلية والمماثلة الجزئية هو ان يقع الاشتراك فى بعض صفات النفس وهو مثل من حيث ذلك ثم يقع الانفصال وتأبى الحقائق ان تقبل المماثلة فى صفة المعانى فانها ليست بحقيقة لذات الموصوفة بها فهى كالاعراض وان كانت لازمة او يستحيل عدمها لان المماثل هناك انما هو بين المعنيين لا بين الشيئين اللذين قام بهما هذان المعنيان المتماثلان كالعالمين فوقع التماثل بين العالمين عقلا وحقيقة فان تماثل العالمان فمن غير هذا الوجه وتشخصت المعانى بتشخص من قامت بهم فتشخصها بحكم التبعية كتحيز العرض بالتبعية فى تحيز محله لانه بحيث محله لان العرض يتحيز فهذه اشارة الى ان البارى ليس بيننا وبينه اشتراك فى صفات النفس بوجه كلى ولا جزئى فلهذا انتفت المثلية من جهة الحقائق بيننا وبينه ولا يغرنك ان وصفك بما وصف نفسه من كونه عالما ومريدا وغير ذلك وكذلك البهيمة سميعة وبصيرة ومريدة فافهم ذلك.

الجمال

. الآية بعينها قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) مثلية لغوية كقولهم زيد مثل الاسد والكاف هنا بمعنى الصفة فيقول ليس مثل مثله شىء فنزل الحق فى مقام البسط بصفة الجمال لقلوب العارفين به ونفى فى هذه الآية ان يشبههم شىء من جميع مخلوقاته كما نفى فيها من كونها جلالا ان تشبهه فنبه بهذه الآية على شرف الانسان على جميع المبدعات والمخلوقات فحقيقته لا اين واثبت له صفات التمام والكمال فجعله فياضا وملكه مقاليد الاسماء وبهذه المثلية اللغوية صحت له الخلافة وتعمرت به الداران وبها سخر الارواح وبها قال تعالى (وسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي اَلسَّماواتِ وما فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً) فهذه الآية تدل على مباسطة الهية اذا تجلت الى قلب المحقق يكون حاله فى ذلك الوقت المعانى التى تقدم فى جلالها كما انه اذا تجلى الى قلب المحقق جلال هذه الآية يكون حاله فى ذلك الوقت معنى جمالها وهكذا فى كل تجلّ كما قررناه فجلالها بفرض المثل ونفى شبهه ومماثله وجمالها يوجد المثل ونفى مماثله فالجلال يثبت تقديس الحق والجمال يثبت رفعة العبد وكما قال فى جلاله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فى حقائقه المقابلة للحقائق الالهية ثم ارتفع فى مقابله نزول الحق الى مقام المثلية بالسميع البصير فافهم هذه الاشارة فان بقاء العبد باوصاف نفسه ببقاء الله وان بقاءه باوصاف كماله الثابتة فى الربوبية العارضة فى العبودية بابقاء الله فالمحقق ببقاء الله مشغوف لانه فى مشاهدة لا تنقطع فانه مع التقابل وغير المحقق بابقاء الله مشغوف لانه محجوب بالتاله فهو مع الله من طريق الفعل فى الكون على التماثل وهو الحال يقول اهل الجنة فى الجنة للشىء يريدونه كن فيكون فيرى المحقق تكوين ذلك الشىء عن معنى قوله لاعن قوله ويرى غير المحقق ذلك التكوين عن القول لوقوعه عنده وقد اشتركا فى نفى القدرة عنهما فافهم.

اشارات الجلال

قال الله تعالى (لا تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصارُ) فيها تقابلها و

قيل للنبى عليه السلام ارأيت ربك فقال نورانى أراه فلا يزال حجاب العزة منسدلا لا يرفع ابدا جل ان تحكم عليه الابصار هكذا عند مشاهدتها اياه لانها فى مقام الحيرة والعجز فرؤيتها لا رؤيتها كما قال الصديق العجز عن درك الادراك ادراك.

اشارة، لا تدرك الابصار الهواء لكونها سابحة فيه فمن كان فى قبضه شىء فانه لا يدرك ذلك الشىء. اشارة ويريد البصر أن يدرك لون الماء والشفافة الغالية فى الصفاء فلا يدركها لانه لو ادركها لقيدها وذلك لانها اشهته فى الصفاء والادراك لا يدرك نفسه لانه فى نفسه ويدركها فهو البصر المبصر.

اشارة. اذا نظر البصر الى الشىء الصقيل فيرى فيه الصورة فادراكه للصورة للجسم الصقيل لانه لو جهد ان يدرك ما يقابل الصورة التى فى الصقيل من الصقيل لم يقدر والصقيل لا بتقيد فاذا سئل ما رأى فلا يقدر أن يقول رأيت الصقيل لانه لا يتقيد له ولا يحكم عليه بشىء وان قال ذلك فهو جاهل لا معرفة له بما شاهده ولكن يقول رأيت فيخبر عن الصورة او الصور التى رآها وهو الصدق فقد عرت هذه الاشياء عن ادراك البصر مع كونها مخلوقة فافهم ولكنه ادرك هذه الاشياء بغير تقييد وقبول هذه الاشياء الى الصور ذاتى لا ينفك عن الصورة البتة عند رؤية الرائى وهى رؤيتك فتحقق ما ذكرناه.

واعلم ان الله تعالى ان يحيط به بصرا وعقل ولكن الوهم السخيف يقدره ويحده والخيال الضعيف يمثله ويصوره هذا فى حق بعض العقلاء الذين قد نزهوه عما تخيلوه وتوهموه ثم بعد التنزيل يتسلط عليهم سلطان الوهم والخيال فيحكم عليه بالتقدير وهو قوله (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ اَلشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) وهو رجوعهم الى ما اعطاهم العقل بالبرهان الصحيح من التنزيه عن ذلك.

الجمال، واما جمال هذا الجلال فقوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فنزل سبحانه فى جماله مباسطة معنا الى ان ندركه بابصارنا وينظر الى هذا

قوله عليه السلام «ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس بالظهيرة ليس دونها سحاب لا تضارون فى رؤيته» وقال تعالى فى حق أصحاب الجحيم (كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) والنظر بالى فى كلام العرب لا يكون الا بالبصر وبفى يكون بالعقل وبالفكر وباللام يكون للرحمة وبغير اداة يكون للتقابل والمكافحة والتأخير. والابصار من صفات الوجوه وليس العقل منها فلابد من رؤيته، وقوله (لَنْ تَرانِي) لموسى عليه السلام حكم يرجع الى حال ما علمه من سؤال موسى عليه السلام لا يسعنا التكلم فيه وقد احاله على الجبل ودك الجبل وصعق موسى والادراك لا يصعق، وليس من شرطه بنية مخصوصة ولا البنية من شرطه، وانما من شرطه موجود يقوم به لانه معنى والصعق قام بالبنية الكثيفة فلما افاق سبح ولا فائدة للتسبيح عند القيام من ذلك الموطن الا لمشاهدة ما ثم اعطته المعرفة التوبة من اشتراط البنية ثم اقر بانه اول المؤمنين بما رآه فى تلك الصعقة لأن الايمان لا يتصور الا بالرؤية فى اى عالم كان ولهذا

قال النبى عليه السلام لحارثة ما حقيقة ايمانك قال «كأنى أنظر الى عرش ربى بارزا» الحديث فاثبت الرؤية فى عالم ما وبها صحت له حقيقة الايمان واقر له النبى صلى الله عليه وسلم فيها بالمعرفة وما عدا هذا فهو الايمان المجازى فلا فائدة للايمان بالغيب الا لحوقه بالمشاهدة ولهذا لا يدخله الريب، فموسى اول من ادرك بالبصر على وجه ما وهذه المرتبة لها حال ومقام فان كان فى المقام فهو اول من ادركه وان كان فى الحال فيمكن ان رءاه غيره وتكون الاولية موقوفة على الحال بكمال القصة وهذا يوجد كثيرا فاذا باسطك الحق فى المشاهدة لهذه الآية فتقنع بانه لا يدركه الابصار وان لم تفعل هلكت كما اخبرتك واياك ان تبسط بل تكون الهيبة عليك قائمة فهى حافظتك فاعلم والله المرشد سبحانه.

اشارات الجلال

. قال الله تعالى (وأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) اشارة الى الاحاطة الالهية بجميع الاسماء الكائنة الماضية والكائنة فى الحال والكائنة فى المستقبل فهى لا تختص الا بالوجود الكائن والذى كان ويكون فهو تعلق اخص من تعلق قوله احاط بكل شىء علما من الواجبات والجائزات والمستحيلات وان كان بعض العلماء لا يسمى شيئا الا الموجود فلا نبالى فان الله قد احاط بكل شىء علما وقد علم المحال ولو خصص صاحب هذا الاصطلاح العلم المحيط فى هذه الآية بالموجودات فليس له دليل على ذلك الا كونه اصطلح على انه لا يسمى شيئا الا الموجود فالاحاطة هنا على بابها من العموم والاحصاء يقتضى التناهى فى الشىء الذى احصى والاحاطة انما هو عبارة عن تعلق العلم بالمعلومات الغير المتناهية هنا وقد يكون الاحصاء ههنا على العموم بمعنى الاحاطة ولكن كما قلنا فى الكائنات المستقبلة وهى لا تتناهى فان مقدورات الله لا تتناهى ومعلوماته كذلك اكثر من مقدوراته وغير ذلك والاحصاء بالعدد لا يتعلق به لانه لا يجوز عليه فيحصى نفسه والمحال لا يوصف بالعدد فيتعلق به الاحصاء ولكن يحيط به العلم اى معنى لعلمه من جميع الوجوه فاذا كان الحق قد احصى كل شىء عددا فانت من الاشياء المعدودة فحفظه ورقبته عليك فاذا شاهدته الاسرار من هذه الآية تاهت فى جلال الحق وحارت فى انفاسها ولحظاتها ولمحاتها ونفحاتها وخطراتها وكل ما يكون فيها ومنها فاذا تحققت بهذه المشاهدة بسطها الحق بالآية التى اذكرها بعد هذا فى جمال هذا الجلال فعند ما تريد الانس بذلك يتجلى لها فى هذا الجلال فى تلك الآية فيحيره ويتلفه فافهم

الجمال. قال الله تعالى (وأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) فجاء باوالتى للشك وهذا محال على الله تعالى فلما نزل الحق فى جماله فى هذه الآية مباسطة معنا والشك منوط بها فقام للعبد ضرب من المناسبة فان كان العبد جاهلا حمل ربه على نفسه ووصفه بالشك فضل وان كان محققا هرب الى قوله تعالى (وأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) فوقف على سر ذلك وألحق الشك بالرؤية البشرية المعتادة على الخطاب المتعارف بين العرب بالكثرة فيعود الشك على المحلوق وان اراد احصاء العدد واراد أن ينزه نفسه من غير الوجه الذى نزه بارئه فليأخذها على ارادة الكثرة لاعن العدد وان كانت لا تخلو عن عدد محقق ولكن لم يرد القائل هنا الاعلام بتعيين العدد وانما تعلقت الارادة بالاعلام بالكثرة فهذه الصيغة اذا كانت المتعارفة بين المرسولين اليهم لا يريدون بها الوقوف على عدد محقق فاذا شاهد العبد ارادة الكثرة هنا انكشف له احصاء ما علمه من وقت وجوده الى وقته وما يكون الى ما يتناهى ولكن بحقيقة يخالفنا فيها بعض العلماء من المتكلمين وذلك ان يكون العلم يتعلق بمعلومين فصاعدا وهذا محال عند بعضهم ومن جوز ذلك كالامام ابى عمرو السلالفى رضى الله عنه فانه لا يخالفنا فى هذه المسئلة.

واما قول الاسفرائنى ابى اسحاق ان القلب لا يحمل فى الزمان الا علم واحد فقد يمكن ان يشير الى ما ذهبنا اليه وكذلك فى حده العلم بما يتصور منه احكام الفعل واتقانه ففيه ايضا تلويح الى هذا ونحن انما نتكلم مع ارباب الحقائق والاسرار من اهل الله تعالى وانما اطلب التعلق ببعض اقوال علماء الرسوم تأنيسا للقلوب الشاردة عن هذه الطريقة من جهة هذه الحقائق فاعلم ذلك والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.

اشارات الجلال

. قال الله تعالى (وإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) تقابلها فيها ايضا هو خطاب ينسحب على كل مألوه متعبد.

اشارة. وذلك ان سر الالوهية لو لا ما وجدها كل عابد فى معبوده اى عند عبادته لمعبوده ما عبده وهكذا لو مكنوا من فصل الخطاب لقالوا وانما ضل المضل لنسبة الالوهية لمن ليس باله وهو انما عبد من ذلك المعبود سر الالوهية التى هى لله تعالى لما انسحب اثرها على ذلك المعبود ربنا تبارك وتعالى فهذا روح قوله (وإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ) فاثبت عين ما نفى فى حكم الحقيقة وانما اخذوا هؤلاء بالنسبة التى اضافوها لما نحتوه وسموه ونصبوه ورفعوا اليه حوائجهم فافهم ذلك فانه سر عجيب.

اشارة. نفى الشريك الذى لا وجود له فما نفى شيئا فان الشريك موضوع غير موجود والموضوعات اضافات والاضافات لا حقيقة لها فاذا نفى الشرك اثبات الوحدانية واثبات الوحدانية امر يرجع الى الوجود ونفى الشرك امر يرجع الى العدم فافهم.

اشارة. تجلى الوحدانية وهو الاستواء الالهى على العرش الانسانى وهو بخلاف الاستواء الرحمانى فان الاستواء الالهى فى نقطة الدائرة وهو قوله تعالى

«ما وسعنى ارضى ولا سمائى ووسعنى قلب عبدى المؤمن» والاستواء الرحمانى محيط للدائرة وهو قوله تعالى (اَلرَّحْمنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى) فالعرش فى الاستواء الرحمانى بمنزلة الحق فى الاستواء الانسانى والقلب فى الاستواء الالهى بمنزلة الحق فى الاستواء الرحمانى فاذا تجلت الوحدانية لم يعاين المشاهد سوى نفسه سواء كان فى مقام وحدانيته او فى غيرها فان كان فى مقام وحدانيته فهو بمنزلة ضرب الوحدانى الواحد فلا يخرج لك الا الواحد فى الاعداد على المثال والتقريب هكذا اضرب 1 فى 1 يخرج لك 1 فاذا كان غير وحدانية فهو بمنزلة من يضرب واحدا فى اثنين فانه لا يخرج له الا اثنان وكذلك فى جميع الاعداد بالغا ما بلغ مثال ذلك ان تضرب 1 فى 15 الخارج 15 او تضرب واحدا فى 155 الخارج لك ما ضربت فيه الواحد وهو 155 فاعلم ذلك.

الجمال. واما جمال هذا الجلال فقوله تعالى (قُلِ اُدْعُوا الله أَوِ اُدْعُوا اَلرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ اَلْأَسْماءُ اَلْحُسْنى) نزل الحق فى جماله مباسطة معنا برحمانيته وبهذا الاسم استوى على العرش وهى المعرفة العامة واليها ينتهى العارفون وفيها ينبسط المحققون ويقبضهم جلالها وهو قوله (وإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ولما كان الله جامعا لكل شىء وكان الرحمن جامعا لحقائق العالم وما يكون فيه ولهذا قيل رحمن الدنيا والآخرة لهذا قيل لهم (قُلِ اُدْعُوا الله أَوِ اُدْعُوا اَلرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ اَلْأَسْماءُ اَلْحُسْنى) فان دعاءهم انما هو تعلقهم به لمنافعهم على قدر معارفهم وهى عند اسمه الرحمن وهذا الاسم الرحمن يتضمن جميع الاسماء الحسنى الا الله فان له الاسماء الحسنى والرحمن وما يتضمنه الاسم الله واذا ناديت الله فانما تنادى منه الرحمن خاصة وتنادى من الرحمن الاسم الذى تطلبه الحقيقة الداعية الى الدعاء فيقول الغريق يا غياث والجائع يا رزاق والمذنب يا غفار يا غفور وكذلك فى جميع الاسماء فافهم ما اشرنا به اليك فانه باب عظيم نافع.

اشارات الجلال

. قال الله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ) وهذه الآية متعلقة بالقهر والجبروت واثبات الملك فاذا ثبتت هذه الاوصاف فى قلب العبد استحال عليه طلب العلة وكل ما يكون فيه اعتراض.

اشارة. من علم ما فى نفسه فانه لا يسأل نفسه الا بتقدير سائل لا يعلم يقيمه فيوقع السؤال منه فاذا كان هذا فلا يسأل عما يفعل فانه ليس الا الله وصفاته وافعاله ويجاب هذا المعنى فى هذه الآية قوله وهُمْ يُسْئَلُونَ فان الحقيقة واحدة فانه السائل عن فعله بهم وما ظهر عنهم فلا يجيبون الا بفعله فيهم فافهم فانى اريد الايجاز لاهل الاشارات.

الجمال. جمال هذه الآية قوله تعالى (لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا اَلْقِتالَ) نزل فى جماله مباسطة فنطقنا بالسؤال جمال هذه الآية ادلا لنا بمغيبنا عن معرفة الجلال فى ذلك الوقت فينبغى للعبدان يحضر عند هذا السؤال مع قوله لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ . اشارة هذه البنية بعد بنائها انما يعسر على من يتكلف ويتعنى فى اقامتها ومن لا كلفة عليه فى ذلك بل الخلق وعدمه فى حقه سواء فلا يقال فيه اذا فعل هذا انه ليس بحكيم.

اشارة. من ان الحكمة وضع الاشياء فى مواضعها ومنها رد الصور على ما يقتضيه الموطن الذى تكون فيه وليس موطن الآخرة كموطن الدنيا فلا ينبغى ان تكون نشأة الدنيا نشأة الآخرة بل كما قال عليه السلام من الصفاء والرقة والحسن والاعتدال فى اهل النعيم ونقيضه فى اهل الجحيم فان الدنيا كدرة متغيرة فنشأتها مريضة سقيمة مظلمة ولابد من النقلة فلابد من تغير النشأة ولما تحققوا هذا قالوا فى آخر الآية (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) فانه لابد من تغير النشأة.

اشارة. (لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا اَلْقِتالَ) طلب المعرفة بالله من طريق الفكر ورد الشبه المظلمة وطلب المشاهدة بالمجاهدة والمكابدة وهذا كله من بسط الحق لهم فحكم عليهم بالادلال فاساؤا الادب بخلاف المحققين.

اشارات الجلال

. قال الله تعالى (إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) دائرة لا اله الا الله تعم كل موحد ولا يخلد فى النار ولا يظهر سلطانها الا فيمن ليس له خير غيرهما ولا يشفع فى اصحابها الا ارحم الراحمين خاصة وما سوى الله فان شفاعته انما تكون فيمن عنده مثقال ذرة من خير من غير التوحيد وغرضنا ان نفرد كتابا ان شاء الله فى لا اله الا الله واهلها خاصة فجلال لا اله الا الله صعب فانه يقتضى ان لا يكون فى البشر اعتماد على غير هذا المعنى وهذا صعب فبسطهم هذا الجلال الاعظم فى سريان سر الالوهية بالفعل العام فى الموجودات المعبودات من الادانى الى الاعالى فاذا وقفوا على هذا السريان سر الالوهيه بالفعل انبسطوا فى الاسباب وعرفوا منه ما خلقوا له وما خلق لهم فافهم هذا.

الجمال (إِنَّ الله يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ جَمِيعاً) والشرك من الذنوب وهو لا يغفر نزل الحق فى جماله مباسطة لنا فأشهدنا سريان الالوهية فى المعبودات فانبسطوا فى الشرك فقبضهم جلال قوله (إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) لما ستروه فى نفوسهم فاظهروا نقيض ما هم عليه ستر الله ما كان منهم من المخالفة عليهم جزاء لسترهم اياه فى قلوبهم وقسمهم فى ذلك الستر على قسمين فقسم سترهم عن غيرهم وقسم سترهم عن نفوسهم كما سترهم عن عين الآلام ان تراهم اذا دخلوا النار بان يميتهم فيها اماتة فذلك الذى ستروه فى قلوبهم من توحيده هو الذى ستر القلب الذى هو محل الآلام ان تراه عين الآلام وهذه اشارة بديعة يبسط القلوب جمالها ويورث الادلال حنانها ولطفها.

اشارة. لما لم يستروه لم يسترهم فى موطن من المواطن فافضحهم على رؤس الاشهاد.

اشارة الله هنا معناه الغفار وانما جاء بالاسم الجامع لكونه قال فى الآية جميعا والغفار ليس له مقام الجمع فقال الله.

اشارات الجلال

. قال الله تعالى (وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ) المعرفة تتعلق بامرين من كل معروف الامر الواحد الحق والآخر الحقيقة فالحق من مدارك العقول من جهة الدليل والحقيقة من مدارك الكشف والمشاهدة وليس تم مدرك ثالث البتة فلهذا قال حارثة انا مؤمن حقا فاتى بالمدرك الاول فكان عنده مؤيدا بالمدرك الثانى ولكن سكت فقال له النبى عليه السلام فما حقيقة ايمانك يرى ان كان عنده المدرك الثانى فاجابه بالاستشراف والاطلاع والكشف فقال له النبى عليه السلام عرفت فالزم فلا تصح المعرفة للشىء على الكمال الا بهاتين الحقيقتين الحق والحقيقة فاذا اخبر الله تعالى بانا عاجزون عن ادراك حق قدره فكيف لنا بحقيقة قدره وليس القدر ههنا الا المعرفة بما يقتضيه مقام الالوهية من التعظيم ونحن قد عجزنا عنه فاحرى ان نعجز عن معرفة ذاته جلت وتعالت علوا كبيرا فلما عاين المحققون هذا الاجلال وقطعوا انهم لا يقدرون قدره مع ما تقرر عندهم من التعظيم وقدر ما هم بالتقصير فعرفوا انه ليس فى وسع المحدثات ان تقدر قدر القديم لان ذلك موقوف على ضرب من المناسبة الحقيقية ولا مناسبة فى مفاوز الحيرة لهذا الجلال.

الجمال. جمال هذا الجلال قوله تعالى (وما خَلَقْتُ اَلْجِنَّ واَلْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) فأنست نفوس المحققين وتحققوا انه ما احالهم الا على ما هم متمكنين من تحصيله بتوفيقه فلما تحققوا ببسط هذا المقام قبضهم جلال (وَ ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ) .

اشارة. اذا اردت ان تعرف حد المعرفة التى طلب منك فى هذه الآية فانظر الى ما خلقه من اجلك واجعلك سلطانا عليه وانظر ما تجد فى نفسك ان تطلب من ذلك المخلوق من اجلك ان يعرفك ذلك بعينه طلب الحق منك ان تعرفه به من غير زيادة ولا نقصان وانك لا تطيق ذلك لعدم توفيقك ومما اوحى الله تعالى به فى توراته يا ابن آدم خلقت الاشياء من اجلك وخلقتك من اجلى فلا تهتك ما خلقت من اجلى فيما خلقت من اجلك.

اشارة. اذا اعتاص عليك من خلق من اجلك فلا تذمه فان الذم منك انما يطلب الفاعل لذلك الامر الذى لم ترضه وما ثم الا الله وليس باهل للذم فقد شهدت على نفسك بالجهل وسوء الادب ومن هذه المباسطة تفرع ولهذا استعمل الهيبة منا عند الجمال فان لم يكن عندنا فى وقت هذه المباسطة وما قدروا الله بجلالها والا هلكنا.

تنبيه. اذا اعتاص عليك ما خلق من اجلك فانظر ما طلبت منه وارجع الى نفسك وانظر ما يناسب ذلك الطلب منك مما يطلبك به ربك فانه تجده قد طلب ذلك واعتصت وابيت فاعتاص عليك ذلك الامر المناسب فان الله تعالى اذا اوقر فى نفسك طلبا ما ممن خلق من اجلك سواء كان مثلك او لم يكن فان الله تعالى قد طلب ذلك منك وانت لم تشعر فان كنت اطعته فى ذلك فان ذلك يطيعك وان كانت الاخرى فذلك كذلك واعلم ان الله خلق هذا النوع الانسانى من اجل الانسان قال الله تعالى (ورَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ- لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) فافهم هذه الاشارة ترشد ان شاء الله تعالى.

اشارات الجلال

. قال الله تعالى (فَاتَّقُوا الله مَا اِسْتَطَعْتُمْ) ما من آية فى كتاب الله تعالى ولا كلمة فى الوجود الاولها ثلاثة اوجه جلال وجمال وكمال فكمالها معرفة ذاتها وعلة وجودها وغاية مقامها وجلالها وجمالها معرفة توجهها على من تتوجه عليه بالهيبة والانس والقبض والبسط والخوف والرجاء لكل صنف شرب معلوم منها وانما عدلنا فى هذا الجزء الى ذكر جلال آية وجمال اخرى ليعرف الطالب المريد صور المناسبة بين المتباينين فليس لكلمة مقام رابع ويظهر سر ذلك فى الالهية فى معرفة الحق نفسه ويديه وقبضته فاعلم ذلك فأفزع المحققون جلال هذا القول اذا حالهم على استطاعتهم فرمى بهم فى بحر البعد وظهر فى عزته فما قدر احد من المكلفين ان يفى باستطاعته فى تقواه فاهلكهم جلال هذا السهل الممتنع فلما اشتد عليهم هذا الجلال حتى كاد ان يهلكهم بسطهم الحق وآنسهم فاشهدهم (اِتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ) .

الجمال. قال الله تعالى (اِتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ) فنزل اليهم فى جماله مباسطة حين امرهم بالوفاء بالحق فانسوا واطمأنوا فخافوا على انفسهم من غوائل البسط فاستعملوا نفوسهم واسرارهم فى (فَاتَّقُوا الله مَا اِسْتَطَعْتُمْ) فحفظت عليهم هذه الآية ادب الحضرة اشارة اتقوا الله بالله وهو قوله عليه السلامو

اعوذ بك منك قال الله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ) وقال (يَطْبَعُ الله عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ) اشارة اتقوا الله من كونه ساخطا بالله من كونه راضيا.

اشارة عامية كونية. اتقوا الله المعاقب بالله المعافى فمن عرف حقائق الاسماء فقد اعطى مفاتيح العلوم ويكفى هذا القدر فان الغرض من ذكرى تفصيل هذه الآيات تعليم المدخل الى هذا الفن ومعرفة مأخذه فانه مأخذ عزيز والله يعصمنا واياك من الدعوى.

تنبيه. اعلم يا اخى ان القرآن العزيز خاطبنا الحق به على طريقين منه آيات خاطبنا بها يعرفنا فيها باحوال غيرنا وما كان منهم والى اين كان مبدؤنا والى اين كان غايتنا وهو الطريق الواحد ومنه أيات خاطبنا بها لنخاطبه بها وهى على قسمين خاطبنا بآيات لنخاطبه بها مخاطبة فعلية مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا اَلصَّلاةَ وآتُوا اَلزَّكاةَ - وأَتِمُّوا اَلْحَجَّ واَلْعُمْرَةَ لله) وغير ذلك ومخاطبة لفظية مثل قوله (اِهْدِنَا اَلصِّراطَ اَلْمُسْتَقِيمَ) (رَبَّنا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنا) (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) واشباه ذلك كثير وليس القرآن يحوى على غير هذا وينبغى لك ان تتنبه للتفرقة فى كلام الله تعالى اذا قرأته مثل قوله (وَ إِذا لَقُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا) قالوا وقف هنا وبين (قوله آمَنّا ) وقف ثم قل (وإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا) وقف ثم قل (إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) وقف ثم قل (الله يَسْتَهْزِئُ) فانك اذا قرأته على هذا الحد عرفت اسراره وميزت مواقع الخطاب وحكايات الاحوال والاقوال والاعمال وتناسب الاشياء فاعلم ذلك وقد تبين المقصود فلنقبض العنان والله ينفعنا واياكم بالعلم ويجعلنا من اهله والحمد لله رب العالمين، تم الكتاب.

 


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!