موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كشف الغايات في شرح التجليات

للشيخ ابن سودكين النوري

81 - شرح تجلي الكمال<

 

 


411 - لسان هذا التجلي لسان الحق من حيث أحدية جمعه، فإنه من هذه الحيثية بكل شيء عين كل شيء.

فالتجلي من هذه الحيثية إذا ظهر في شيء، ظهر بكل شيء فيه . والإنسان المتحقق بالوسطية الكمالية القاضية بتمانع القيود الجمة فيها، قابل لتجلي الحق من حيث أحدية جمعه. ففي قابلیته، بل في قابلية كل جزء من أجزائه قابلية كل شيء.

فإذا تجلى الحق من حيثية أحدية جمعه كان التجلي عين قابلية كل جزء فيه قابلية كل شيء.

کبصر الإنسان مثلا كانت في قابليته كل الأبصار وكل الأسماع وكل الأذواق والشموم واللموس.

فكما أن عمل بصره عمل سائر أخواته حينئذ كان التجلي الذي هو عين بصره، عين المبصرات والمسموعات والمذوقات والمشمومات والملموسات الجمة ونحوها.

هكذا اعتبر في كل جزء من أجزاء الإنسان وقس حال الإنسان الكبير على حاله. فالإنسان حينئذ يشهد كل شيء بشهود أحدية جمع الحق في قابلية كل جزء فيها قابلية كل شيء.

412 - وهذا المدرك لا يعطيه إلا الشهود الأقدس في طور هو وراء طور العقل. كما أشار إليه العارف بقوله :

وثم وراء النقل علم يدق عن ….. مدارك غايات العقول السليمة

ومع هذا لا تدرك القابليات من حيث خصوصياتها التعيينية . الحق من حيثية أحدية جمعه إلا بكون الحق من هذه الحيثية عينها .

فافهم فإن هذا المدرك شديد الغموض.

413 - وقد ذكر الشيخ إسماعيل السودكين أن المحقق قدس سره عظم «تجلي الكمال» و «تجلي خلوص المحبة» عند قراءته عليه .

فقال : ما نشرح هذين التجليين إلا الاستعداد خاص يطلبهما . وفي الحقيقة نطاق البيان يضيق عن تحقيقهما بطريق البرهان .

والمرام فيهما لا بقدم الكشف الأوضح صعب المرتقی . لا، بل في الكشف الأعلى متعذر الوجدان للسوي .

إذا رمی

الكون بسهم إيمائه نحو هذا الغرض، لا يقع أيضا إلا على قرطاس الكون .

ولكن لك في هذا المطلوب بحر هو عين الأمواج : فلا تحقق لها إلا به .

فهي بدونه کسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئا ووجد الله عنده .

414 - قال : (اسمع يا حبيبي) هذه مخاطبة فهوانية ظهرت في عنوان غيب الجمع والوجود للسر الوجودي المنفوخ بصورة روح الحياة في تسوية المسمى بالصورة . وهو مع كونه متصل بالمحل المنفوخ فيه غير منفصل عن غيبه .

وهذه المخاطبة في الحقيقة من باطنية أحدية الجمع مع نفسها في ظاهريتها .

فقوله : يا حبيبي، من طريق حب الشيء نفسه. وهذا الحب أصل المحبات كلها . فإن الشيء يحب ذاته أولا ثم يحب ما به يظهر كمال ذاته .

ثم قال أيضا حاكيا عن الحق تعالی : (أنا العين المقصودة في الكون) ذ أنا الذي يطلب أن يشاهد إنائيته في مرايا الأنيات .

والكون نسب تتحقق بي فتظهرني لي بحسبها وهي تخفى عندما تظهرني .

(أن) في الحقيقة (نقطة الدائرة ومحيطه) أي أنا حاق وسط كل جمع، وتسوية كل قابل، وقلب كل شيء.

فأنا قيوم بي قامت المحيطات. فكما أنا الباطن في النقطة، أنا الظاهر في محيطها أتم الظهور.

بل أنا النقطة الباطنة والمحيط الظاهر وأنا الذي له الحضور مع نفسه في باطنيته وظاهريته من غير أن تختلف عليه جهة الباطنية عن الظاهرية والظاهرية عن الباطنية .

وعلى هذا المهيع : (أنا مركبها وبسيطها، أنا الأمر المنزل بين السماء والأرض) أي في الثلث الخير من الليل.

415 - (ما خلقت لك الإدراكات إلا لتدركني به) حيث كنت أنا عينه (فإذا أدركتني به) أدركتني بي، وإذا أدركتني بي، (أدركت) بي (نفسك) ومن أدرك نفسه بي، أدركني .

ولذلك قال : (لا تطمع أن تدركني بإدراكك نفسك) بل (بعيني تراني وترى نفسك لا بعين نفسك ) تراها و (تراني) فإن عينها محصورة في الجهة . والجهة لا تحصرني ولا تحصر عيني.

416 - (حبيبي كم أناديك) من مكان قريب، وأنا أقرب إليك فيه من حبل الوريد (فلا تسمع) ندائي .

ولكن القرب المفرط حكمه فيك كحكم البعد المفرط (كم أتراءى لك) في الحسن البديع في مظهر، (فلا تبصر) فلو أزلت غشاوة الكون عن عينيك لرأت فيه العين لي والحكم له .

ومن هذا المهيع: (کم اندرج لك في الروائح فلا تشم وفي الطعوم فلا تطعم لي ذوق. ما لك لا تلمسني في الملموسات ؟ما لك لا تدركني في المشمومات ؟ما لك ل تبصرني) في المبصرات (ما لك لا تسمعني) في المسموعات ؟

(مالك، ما لك، ما لك) لا تنتبه . أنا ظاهر الوجود. أنا باطنه . أنا عين الجمع بينهما.

417 – ( أنا ألذ لك من كل ملذوذ، أنا أشهى لك من كل مشتهى، أن أحسن لك من كل حسن، أنا الجميل، أنا المليح) بي كمال كل شيء إذ الكمال الوجود، ووجوده بي لا بنفسه.

(حبيبي حبني لا تحب غيري) فإن الحب من أحكام ما به الاتحاد . فإذا أحببتني تقربت إلي بحبك وإذا تقربت إلي بحبك أحبتك .

وإذا أحببتك كنت لك سمعة وبصرة ويدة. فكنت واجدي فيك بي لا بك.

وإذا أحببت غيري انحصرت في نسب تطلب الغير من حيث هو به لابي. فكنت ل تهتدي إلا إلى عدميته التي هو بدوني باق عليها .

فهمت في ظلمات لا نور فيها ومن هذا المهيع قوله : (اعشقني .هم في) من هام يهيم. (لا تقم في سواي) فتنتهي إلى ظلمات بعضها فوق بعض

ثم قال : (ضمني، قبلني) تقبيل من يقبل شفتيه بشفتيه (ما تجد وصول) بفتح الواو وضم الصاد (مثلي كل يريدك له) إذ كل جزء يريد كله ليتصف فيه بأحدية جمعه . وأنت الكل الذي أحاطت هيمنتك الوسعى بكل شيء.

والشيء إذا اتصل بك فاز بكماله المطلوب منه. فإن المطلوب اتصاف كل شيء من مجموع الأمر كله بكل شيء.

ولذلك كل جزء فيه حالة إطلاق حقيقتك يعطي حكم أخواته ويقوم بعملها.

(وأنا أريدك لك) لتكون بي وتتحقق بأحدية جمع كمالي. فيكون لك شأن في الخلافة من غير التقاري إليك في تدبير الكون الأعلى والأسفل . (وأنت تفر مني) إلى مرغوباتك الشهية وأنا مفرك فيها إذ ذاك ولا تدري .

418 - (يا حبيبي . ما تنصفني) وأنا حاملك إلي في مشتهياتك .

( إن تقربت إلي، تقربت إليك أضعاف ما تتقرب به إلي) كما قال تعالى في الحديث القدسي :  «من تقرب إلي شبر تقربت إليه ذراعا . ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعة. ومن أتاني مشيا أتيته هرولة " .

(وأنا أقرب إليك من نفسك) إذ لولا أنت بي لما كنت أنت بنفسك . فكونك بنفسك مسبوق بكونك بي (و) أنا أقرب إليك من (نفسك) بفتح الفاء إذ بي نفسك حامل لمواد الحياة لك.

فإنه بي في مده يأخذها من باطن وجودي إلى ظاهره وفي جزره من ظاهر وجودي إلى باطنه.

وأنت في مقام الجمع بينهما، موجود بي، حي بحياتي، مشحون بأحدية جمع كمالي . (من يفعل معك ذلك غيري من المخلوقين) وهل لهم أن يخرجوا من مضایق الحصر والتقييد إلى فضاء الإطلاق من حيث هم حتى تكون أنت وغيرك بهم لا بي، أو هم أقرب مني إليك.

419 - (حبيبي أغار عليك منك لا أحب أن أراك عند الغير ولا عندك) قوله : ولا عندك بمعنى أن يعطيك شهودك سقوط إضافة  «العند»  إلى نفسك، من حيث هي بي لا بها .

فإنه تعالی يغار أن يضاف  «العند»  إلى نفسك، من حيث لا تحقق لها بنفسها .

ثم قال : (كن عندي بي أكن عندك) أي كن بتحققك في وسطية تنطلق في تقيدك وتتقيد في انطلاقك فيها، مظهرة لظهور ذاتي بأحدية جمعها، أكن مظهرا لظهور ذاتك بأحدية جمعه .

إذ لولا تقيد وجودي بتعينك لما وجدت ولا ظهرت.

(كما أنت عندي وأنت لا تشعر) فالمطلوب منك، اطلاعك شهودا على كونك "عندي"، ولا يحصل لك ذلك إلا بي . ولا يتم كمالك إلا أن تعلم هكذا شهودا

420 - (حبيبي الوصال، الوصال) على تقدير اطلب أي : اطلب شهود ما هو حاصل لك . فإن وصله تعالى في نفس الأمر حاصل لكل شيء من حيث وجوده . ولكنما الكمال في شهوده على أتم الوجوه بحسبه .

ولذلك قال :

(لو وجدنا إلى الفراق سبيل ….. لأذقنا الفراق طعم الفراق)

يقول : لا فراق، في الحقيقة، حتى نجد إليه سبيلا. ولو وجدناه فرض لأذقناه، بوجداننا الوصل الدائم، طعم الفراق.

421 - ثم قال : (حبيبي تعال، يدي ويدك، ندخل على الحق ليحكم بيننا حكم الأبد) .

اعلم أن السر الوجودي، المنصب على القابلية الإنسانية، المتقيد بها، بسراية حكم الإيجاد، إنما يطلب دوام تقيده بتعينه الوجودي، القاضي ببقاء وجوده الخاص به .

والحق المشروع له، بنسبة : کنت له سمعة وبصرة ويدة، إنما يطلب سراحه وإطلاقه عن قيده اللازم له، ليرجع بانقلاعه عن ذلك، إلى أصله المطلق. فوقعت، باعتبار الطلبين، المجاذية المعنوية. فنزلها قدس سره منزلة المخاصمة .

فقال، مترجمة عن الحق المشروع له : تعال، ندخل على الحق تعالی المطلق، الذي فيه يظهر كل شيء، بصورة مجموع الأمر ووصفه وحكمه ليحكم بيننا على مقتضى حكم الإطلاق الذاتي . فيعمنا حكم إطلاقه شمولا إلى الأبد.

422 - والاختصام قد يكون بين المتعاشقين . فيتلذذ العاشق إذن بمحاورة معشوقه . فترجم قدس سره عن هذا المقام فقال : (حبيبي من الخصام ما يكون ألذ الملذوذات. وهو خصام الأحباب. فتقع اللذة بالمحاورة) ثم قال، متمثلا بما يناسب المعنی:

(ولقد هممت بقتلها من حبه …. كيما تكون خصيمي في المحشر)

وقد يكون الاختصام بين العاشقين، وهما يطلبان لذة محاورة الحاكم المحبوب .

وقد ترجم قدس سره عن هذا المقام فقال : (قل هل عندكم علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون، ولو لم يكن من فصل الخصام إلا الوقوف بين يدي الحاكم ) المحبوب.

حالة حكومته، ( فما ألذها من وقفة مشاهدة محبوب. یا جان یا جان) جان بالفارسية الروح.

423 - هذا آخر تجلي الكمال، الذي ترك المحقق شرحه عند قراءته عليه، لاستعداد يطلبه . ولم أكن أنا ممن يخوض هذه اللجة العمياء بقوته .

ولا ممن يرغب في خطبة البكر الصهباء "الشقراء" بوجود كفاءته ولكن أخذت، في شروعي الملزم، من بحره رشحا. وصببت عليه من مائه صب .

والمعترف بالقصور إن شاء الله مغفور له، وشینه مستور عليه .

والله أعلم بما أودع في أسرار أوليائه .



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!