منزل المنازل الفهوانية
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
ومن ذلك : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم تسعة عشر حرف
والبسملة للأولياء بمنزلة « كن » للحضرة الإلهية . فإذا أراد الولي كون أمر .
قال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيقع ما يريده .
وقال الحلاج : « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم منك بمنزل « كن » منه واشتركت في ظهور الآثار عن التسعة عشر والكواكب التي ذكرناها مجهولة سببا بتقدير العزيز العليم » .
وربما لو تتبعنا الوجود وجدنا من ذلك كثير . فليكتف هذا القدر . ولنرجع إلى ما يدل عليه هذا المنزل الذي هو منزل المنازل .
ونقول :
العروج في هذه المنازل على نوعين : أعني المنازل المعنوية التي لا يصح النزول منها لعالم الأجسام ، لأنها ليست أجساما وأمّا العروج فيها بالميم .
فعلى الحقيقة : اللطائف الإنسانية هي المنزلة لهذه المعاني الإلهية ، والأسرار الفهوانية ، وغيرها مما هو لغير الحضرة الفهوانية .
وأما العروج بالأجسام فلا يصح إلّا في عالم الأجسام . وذلك مخصوص بمحمد صلى اللّه عليه وسلم اختصاص عناية إلهية .
فإنه أسري به صلى اللّه عليه وسلم وبجسمه فاخترق الجود ، الأركان والعناصر ، وذلك بالحركة ، وكان محمولا بالبراق . والحكمة القسرية غير منكورة عندنا وعند المحيلين لهذا الإسراء الجسماني .
فإنّا نأخذ الحجر وطبعه النزول . فيرمى به في الهواء فصعوده في الهواء بخلاف طبعه ، وبطبعه .
فإن طبعه يقتضي الحركة نحو المركز . فصعوده في الهواء عرضي بالحركة القسرية ، وهي رمي به علوا .
وأما قولنا : وبطبعه .
فإنه على طبيعة تقبل بها الحركة القسرية . ولو لم يكن ذلك في طبعه لم انفعل لها ، ولا قبلها .
وكذلك اختراقه صلى اللّه عليه وسلم الفلك الأثير ، وهو نار . والجسم الإنساني مهيأ مستعد لقبول الإحراق .
ثم إن المانع من الإحراق أمور يسلمها الخصم . فتلك الأمور كانت الحجب ، التي خلقها اللّه سبحانه في جسم المسمى به .
فلم يكن عنده استعداد الانفعال للحرق ، أو أمر آخر وهو الطريق الذي اخترقه . ليس النار إلّا محمول في جسم لطيف .
وذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وجعل ضده كنار إبراهيم عليه السلام وبأي وجه كان ، فليس بمحال .
ولنا على ذلك طريقة أخرى من جهة الدليل العقلي .
ليس هذا الكتاب موضعه . فإنا إنما نتكلم مع المسلمين لنا أن اللّه فاعل كل شيء . فلا أبالي .
ثم اخترق الأفلاك من غير أن يسكنها عن تحريكها كاختراق الماء والهواء إلى أن وصل السدرة المنتهى فترك البراق بها ، وقعد على الرفرف الأزهى .
وارتقى في تلك المحفة العظمى إلى المكانة الزلفى . فاخترق عوالم الأنوار إلى أن حار موضع القدمين إلى الكون المحيط بالأكوان وهي الدائرة الكبرى ، والمحيط الأعظم ، وحامل الشكل الأول .
كل ذلك بجسمه صلى اللّه عليه وسلم . فعاين محل الاستواء ، وخلع عليه بذلك المكان خلعة البهاء .
فلما فارق عالم التركيب والتدبير لم يبق له أنيس من جنسه . فاستوحش من حيث مركبه فنودي بصوت أبي بكر : يا محمد قف . إن ربك رضي .
فارتاع لذلك النداء ، واضطرب . فسكن جانبيه بأن تلي عليه عند ذلك :هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ[ الأحزاب : 43 ] .
هذا لسان الأحباب . وخطاب الأخلاء والأصحاب . وهذا أول الأبواب المعنوية . من هنا تقع في بحر الإشارات والمعاني ، وهو الإسراء البسيط .
فيقع المشاهد بالبصر لا بالجارحة لأعيان الأرواح المهيمة التي لا مدخل له في عالم الأجسام .
فترك الرفرف في الحين وانسلخ من الرسم والاسم وسافر برفرف همته فحطت العين بساحل بحر العماء حيث لا حيث ولا أين .
فأدركت ما أدركت من خلف حجاب العزة الأحمى الذي لا يرتفع أبدا .
ثم عادت بلا مسافة الشهود علينا . ثم إلى تركيب كونها المتروك بالمستوى مع الرفرف الأزهى . فنزلت به على معراجها الأقدس من عرشه الأعلى إلى كرسيه الأبهى ، إلى السدرة المنتهى .
فأشرف على الاستعداد بالعدوة القصوى ، واطلع على السعداء بالعدوة الدنيا .
ثم نزل إلى السماوات العلى سماء بعد سماء إلى بيته الأشرف بالحرم المكي الأحمى غير الكعبة العظمى فأصبح في حرمه آمنا .
لا أثر عليه من إسرائه . وقد أخذ بأبصار القوم عن إدراكهم نور بهائه .
وأخبر القوم بحاله فآمنت طائفة ، وأنكرت طائفة .
فنعت لهم بيت المقدس لرفع التلبيس فازدادوا كفرا ولهم عذاب أليم .
ثم له صلى اللّه عليه وسلم إسراءات روحانية خلاف هذا الإسراء .
ومعارج معنوية غير هذا المعراج .
مثل : معراج عائشة .
ومنتهى ما انتهت في ذلك الروايات في علمي من طريق ما رويت إلى أربعة وثلاثين معراجا .
فجمع له صلى اللّه عليه وسلم من المعراجين الظاهر والباطن ، جسما ومعنى .
وأمّا نحن : فالإسراء بنا رؤيا نراها في حال النوم أو الفناء .
فإن كانت نوما فهو الرؤيا والمبشرات وإن كانت فناء فهو المكاشفات .
* والفناء لا ينقض الطهارة ، والنوم ينقضها .
* والنوم حالة تعم الخاص والعام .
* والكشف مخصوص بالخصوص .
* والكشف نتائج الأحوال ، والرؤيا نتائج الأعمال .
وبينهما فرقان يعلمه أهل هذا الشأن .
* فللمؤمنين والأولياء كشف واستطلاع على هذه المنازل الجسمانية في الأفلاك العلوية .
فنعاين ترقيها وتواضعها ، وأشكالها ، وترتيب عوالمها وما أودع اللّه تعالى فيها من الخصائص ، وغير ذلك . وليس لهم في عالم المعاني معراج أصلا للمؤمنين وأمّ الأولياء المختصون فلهم عروج شريف في عالم المعاني مطلقا .
ثم انتقال عنه إلى المشاهد الإلهية التي لا تتغير بالمكان ولا نحكم عليه الآن.
"" في أصل الكتاب المخطوط قال الشيخ إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ محيي الدين بن العربي : « سمعت جميع هذا الكتاب ، وهو كتاب « منزل المنازل الفهوانية » على منشئه الإمام العالم المحقق الراسخ : أبي عبد اللّه محمد بن علي العربي ، رضي اللّه عنه . مع أبي . وسمع بعضه جماعة منهم : أبو بكر بن عيسى الناعوري .
وشمس الدين محمد بن الأمير سعد الدين المعظمي الشيخ المسمع وأجازهما الشيخ على ما بهما في المجلس .
وذلك في ثاني المحرم سنة ثمان عشرة وستمائة عليه جميعه وقال إسماعيل بن سودكين . وللّه الحمد والمنّة وهو حسبنا ونعم الوكيل » . ""
*
تم بحمد الله رب العالمين
البحث في نص الكتاب
بعض كتب الشيخ الأكبر
[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]
شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:
[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]
شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:
[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]
بعض الكتب الأخرى:
[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]
بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:
[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]