موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

دراسة وتحقيق الشيخ عبد اللّه البهنساوى

وصل

 

 


فيه لآلئ إشارات في أصداف عبارات فمن ذلك مفتاح حجة وإيضاح لحجة ولما لم يتمكن القاصد إلى البيت العتيق أن يصل إليه حتى يقطع كل فج عميق ويترك الإلف والوطن ويهجر الخلة والفطن ويفارق الأهل والولد.

ويستوحش في سيره من كل أحد، حتى إذا وصل الميقات خرج من رقّ الأوقات وتجدد من مخيطه وخرج من تركيبه إلى بسيطه وأخذ يلبى من دعاه، فنسى ما كان من قبل ذلك وعاه، وصعد كدّلاح له علم هدى ودخل الحرم وحرم ولثم الحجر وقبل، تذر ميثاق الأزل وطاف بكعبته وأحاط بنشأته، هكذا في جميع مناسكه يمشى على مسالكه فإن تجاوز المغنى ووقفه على حجة معنى ينشى .

فذلك هو الحاج الذي يتهنأ ولولا السآمة من قارئه لعرفتكم به منسكا منسك إلى آخره: وابتدأت في هذا الكتاب بنسكة الحج إذ معناه تكرار القصد إلى الواحد الفرد والقصد أول مقام لكل طالب سرا ومحلول أمرا وأنا أريد أن أوضح لك في هذا الكتاب أسرارا وأرسل سمائها عليك مدرارا، فأوضحت لك أو لا قصدي.

وجعلته قصدا شرعيا، ومقاما جمعيا، فإنه إذا كان القصد بهذه المثابة وهو البداية، فما ظنك بالنهاية وأين من يقدر قدر قدر الغاية (وَم قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)  «سورة الأنعام آية 91، سورة الحج آية 74، سورة الزمر آية 67. »

وأما حمد نور شمس، وما يمد ذات نوره فالق السمع وأشهد أجمع

: أقول 

وروح القدس تنفث في النفس ..... بأن وجود الحق في العدد الخمس

أيا كعبة الأشهاد يا حرم الأنس ..... ويا زمزم الأمال زم على النفس

سرى البيت نحو البيت يبغى وصاله ..... وطهر بالتحقيق من دنس اللبس

فيا حسرتي يوما ببطن محسر ..... وقد دلني الوادي على سفر الرجس

تجرعت بالجرعاء كأس ندامة ..... على مشهد قد كان منى بالأمس

وما خفت بالخيف ارتحالى وإنما ..... أخاف على ذا النفس من ظلمة الرمس

لمزدلفى الحجاج أعملت ناقتي ..... لأنعم بالزلفى والحق بالجنس

جمعت بجمع بين صحبى وشاهدي ..... بوترين لم أشهد به رتبة النفس

خللت الأماني عندما كنت في منى ..... وطوقتها فانظره بالطرد والعكس

خفى الجمرات اللعن في رونق الضحى ..... حصيت عدو الجهل فارتد في نكس

صغيت على حكم الصفا عن حقيقتي ..... فما أنا من عرب فصاح ولا فرس

ركنت إلى الركن اليماني لأن في ..... استلام اليماني اليمن في جنة القدس

أقمت أناجى بالمقام  مهيمنا ..... تعالى عن التحديد بالفصل والجنس

"قال تعالى : "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّىأي مقامه الولائى الذي وصل إليه"."

فشاهدته في بيعة الحجر الذي ..... تسود من نكث العهود لدى اللمس

وبالحجر حجرات الوجود ركونه ..... على فلا يغدوا الزمان ولا يمس

وفي عرفات قال لي تعرف الذي ..... تشاهده بين المهابة والأنس

فلما قضيت الحج اعلمتن منشدا ..... بسيرى بين الجهر للذات والهمس

سفينة إحساسى ركبت فلم تزل ..... تسيرها أرواح أفكاره الخرس

فلما غدت بحر الوجود وعاينت ..... بسيف النهى من جل عن رتبة الأنس

دعاني به عبدي فلبيت طائعا ..... تأمل فهذا الفتح فوق جنى الغرس

فعاينت موجودا بلا عين مبصر ..... وسرح عيني فانطلقت عن الحبس

فكنت كموسى حين قال لربه ..... أريد أرى ذاتا تعالت عن الحس 

«قال اللّه سبحانه وتعالىوَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " سورة الأعراف آية 143.  

رغم إشارته إلى الآية الكريمة إلا أنه أراد شهود التجلي الإلهى في مقام الربوبية عليه من حضرة اسمه تعالى الولي شهود قلب وامتلاء.»

فدك الجبال الراسيات جلاله ..... وغيب موسى فاختفى العرش في الكرسي

وكنت كخفاش أراد تمتعا ..... بشمس الضحى فانهرت من هيبة الشمس

فلا ذاته أبقى ولا أدرك المنى ..... وعود في الأموات جسما بلا نفس

ولكنني أدعى على القرب والنوى ..... بلا كيف بالبعل للكريم وبالعرس

فمن لم يكن قصده على هذه المحجة ولم تصح له هذه الحجة، ويطلب العين فهو في حضرة الغين فاسلك يا أخي على هذه الطريق، وقل الرفيق الرفيق حتى تتصل به من غير انفصال، وتفصل عنه من غير اتصال، وتكون ظلالك تسجد له سبحانه بالغدو والآصال.

ومن ذلك تنزل روح أمين باشراق صبح مبين، ولما هزم الصبح جيوش الليل، وأوجف عليه بسوابق الخيل وحصل الجسم والدسم في قبضة العين والاسم، واعتقه من رق كونه، وألبسه رجاء صوبه، ومنجه مساعدة عينه، في أي جهة كان من ابنه.

عند ذلك سألني رجل من أهل تبريز وممن يقول بدولة العزيز، وينكر سقوظ التمييز، عن أسرار أشراط الساعة، وأماراتها وحقائقها وإشاراتها من طلوع شمس من مغربها، وروحانية مقصدها ومذهبها وإغلاق باب توبة، وإبقاء زلة وحوية، ونفخ دابة ونزول مسيح وخسف جيش تهامة فيح وملحمة عظمى وفتح.

مدينة كبرى بتكبير وتهليل على مقتضى السنة لا بالمراهفات البيض ولا بزرق الأسنة وختم ولاية وروضة خضراء، وسر نبوة ومحجة بيضاء ومن خرج من مقامه إلى مقام الذل، فصح له به المشرق الأكمل، وخروج دجال لا يعى، وقتيل له يموت ويحى، وقال لي أريد منكم أن تبينوا لي إلى أين أسرار هذه الأكوان في نشأة الإنسان، فإني أريد أن أجعلك لشيطانى شهابا رصدا، واتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.

فقلت له وأبن فتاك وقوتك، وهل اتخذ إلى البحر سربا حوتك فقال لولا ما اتخذ حوتى سربا ما وجدت لك سببا، ولولا قتائى ما حملت غذائى فقلت له ستلحق بمقامك وتتأخر وإذا وقع ذلك حينئذ تعثر.

ثم قلت له وهل نسيت الحوت فارتددت قصصا على أثرك لتعرف حقيقة خبرك فقال كل ذلك قد كان فلقد تعب من أخذ علمه من الأكوان قلت له وبشرك الحق بأنى صاحب الرحمة والعلم فأبشر بأنك صاحب الغلظة والدم، لأن في العين وأنت في الكم، فأنت في ملكك رئيس، وفي سجن عالم شهادتك حبيس، وأنا في ملكوت علق نفيس وصاحب صنعة لبوس، فقال له إني أتيتك قاصدا فعلمني مما علمت رشدا فقلت: 

"قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ  خُبْراً * قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً «سورة الكهف» فقلت: قالَ:" فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً " «سورة الكهف».

وصف حال بعد حل وترحال ثم قلت له يا سيدي صان اللّه أنوار شيبتك وحفظ متاع غيبتك أريد أن أعرفك قصتي تكون لك سلما إلى منصتى عسى يقل إنكارك ويحسن إن وقع منك اعتذارك فإن الذي سألت عنه من هذه الأسرار المصونة من ملاحظة الأنوار فكيف بعالم الأفكار لا يصلح في كل وقت إفشاؤها، ولا يصح بأي نفخ كان بعثها وأحياؤها فإن نباؤه عظيم، وشبطان منكرها أليم وإن كان بعض ما سألتني عنه لم أعرج عليه ولا طلبته منه، فإن الطريق الذي سلكت عليه والمقام الذي طلبته وانفردت إليه الذي هو مقام فردانية ونفى الكثرة والعدد لا يصلح معه التعريج على كون ولا يقبل منه إلا تحققه عين ولم لم تتعلق بحوادث الكون همتي ولا تشوقت إليها كلمتي كان الحق سبحانه وتعالى وجهتي وتزهتى عن ملاحظة جهتي فكنت لا أشهد أينا فكيف أبصر كونا.

حكمة تعليم من عالم حكيم، ثم لما رأيت السائل عن تلك الأسرار، تحركه دواعي الأفكار أعرضت عنه أعراض متعلم ناصح، وصرفت وجهي وجهة الحق الذي بيده المفاتح من جهة المقام الذي يعقله وسددت الباب الذي ينكره ويجهله حتى يتمكن في مقام السمع ويتحقق بحقيقة من حقائق الجمع، وقمت إلى الحق ملبيا وله مناجيا أعد على سوابغ نعمه واسمع السائل سرائر حكمة وكأني لا أقصده بذلك تعظيما وهكذا يفعل من صيره الحق حكيم .

فإن البيوت لا تؤتى إلا من أبوابها والملك على أرجائها ولا يدخل عليها إل بإذن حجابها وذلك إني أن بديت له الأسرار كفاحا وجعل قلبه لذلك سرا خاص، فسرح في عالم التجسيم سر فكره، واستوى على قلبه سلطان فكره فصير نوره نارا وقراره بوار فالحكيم المطلق إذا أخذ من هذه صفته في مناشدة الحق، وأعرض عن جميع الخلق بهره المقام، فقطع الأوهام، وغاب عن الأجسام، واستسلم أي لاستسلام، ووقعت النكتة في قلبه، فقادته إلى معرفة ذاته وربه، فاعرضت عنه لهذه الحكمة وأنشدت وبحثت ببعض م وجدت تعلمه فيه، أن السلوك يجذب الحق ودواعيه، ويرد سبحانه بالعبد ويحفيه، فاعله يتنبه ويعيه:

قلبي بذكرك مسرور ومحزون ..... لما تملكة لمح وتلوين

فلو ارتقت لسماء الكشف همته ..... لما تملكه وجد وتكوين

لكنه حاد عن قصد السبيل فلم ..... يظفر به فهو بين الخلق مسكين

حتى دعته من الأشواق داعية ..... أضحى بها وهو مغبوط ومفتون

وأبرقت في نواحي الجو بارقة ..... همت لها نحو قلبي سحبها الجون «الجون: الكثيفة غزيرة الأمطار»

فالسجب سارية والريح دارية ..... والبرق مخطتف والماء مسئون

وأخرجت كل ما تحويه من حسن ..... أرض الجسوم وفاح الهند والصين

فلما سمع السائل وصف حالته وسجت بدر سره في إدارة هالته وتنبه لما أخفى فيه، وأبرزت له نبذة من معانيه، ورأيته قد أصغى إلى بكليته وخرج من ملاحظة نفيسته صرفت وجهي إليه وهو فإن فيما أوردته متعطش للزيادة مما أنشدته وطلب منى الزيادة بحله فزدته:

فما ترى فوق أرض الجسم مرقبة ..... إلا وفيها من النور تزيين

فكلما لاح في الأجسام من بدع ..... وفي السرائر معلوم وموزون

والقلب يلتذ في تقليب مشهده ..... نكل وجه من التزيين ضنين

والجسم فلك ببحر الجود تزعجه ..... ريح من الغرب بالأسرار مشحون

وراكب الفلك ما دامت تسيره ..... ريح الشريعة محفوظ وميمون

ألقى الرئيس إلى التوحيد مقدمه ..... وله عليه من الأملاء تأمين

فلو تراه وريح الشوق تزعجه ..... تجرى وما فيه تحريك وتسكين

إن الأوائل في الإنسان مودعة ..... نور ونار وطين فيه مسنون

وأودع الوصل ما بيني على كثب ..... وبين زلى مفروض ومسنون   "كثب : المقصود القرب" 

فالسر باللّه من خلفي ومن خلفي ..... إذا تحققت موصول وممنون

يقول في القلب روح الحق فاعتبروا ..... فإن قلب كتاب اللّه ياسين

"روى الترمذي في صحيحه عن أنس رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إن لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس»"

من بعد ما قد أتى من قبل نفخته ..... علىّ من دهره في نشأتى حين

لا يعرف الملك المعصوم ما سببي ..... ولا العيون الذي تبكيه تبيين

لما تسترت عن صلصال مملكتي ..... أخفانى عن علمه في عينه الطين

فكان يحجبه عنى وعن صفتي ..... غيم العمى وأنا في الغيب مخزون

فعند ما قمت فيه صار مفتخرا ..... يمشى الهوينا وفي أعطافه لين

لما سرى القلب للأعلى وجاز على ..... عدن وغازله حوراتها العين

غض الجفون ولم يثنى العنان لها ..... لما مضى عن هواه الفرض والدين   «المعنى: أبعد نظره عن رؤيتهن»

فعند ما قام فوق العرش بايعه ..... اللوح والقلم العلام والنون

فلو تراه وقد أخفى حقيقته ..... فإن فوق استواء الحق تمكين

فإن تجلى إلى كون بحكمته ..... له على ظهر ذات الكون تعيين

فلا يزال لمزج الملقيات به ..... يقول للكائنات في وجه الورى كونوا

فكل قلب سهى عن سر حكمته ..... في كل كون فذاك القلب مغبون

فاعلم بأنك لا تدرى الإله إذا ..... ما لم يكن قبل يرموك وصفين

فاعرف إلهك من قبل الممات فإن ..... تمت أنت على التقليد مسجون

وإن تجليت في شرقي مشهده ..... علما تنزل فيك العال والدون

ولاح في كل ما يخفى ويظهره ..... من التكاليف تقبيح وتحسين

فافهم فديتك سر اللّه فيك ولا ..... تظهره فهو عن الأغيار مكنون

وغر عليه وصنه ما حييت به ..... فالسر ميت بقلب الحرة مدفون

فلما سمع منتهى القلوب، ووقف على شرف الغيوب ورأى ما حوته هذه المملكة الإنسانية من الصفات الربانية والأسرار الروحانية، جثى على ركبته وانسلخ عن ظلمته، وقال إني اكتم للسر فأوضح الأمر فقد زال النكران، وطرد الشيطان بعناية الرحمن. 

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) «سورة الحجر آية 42» 

وصف الخير فإني أسلم وعلمني فإني أتعلم، قلت: 

فلم أزل بهذا المشهد السنى والمقام العلى، أغدو وأروح، في غيوق وصهوح إلى أن تمكن الأمر لدى وحصلت المفاتيح التوفى بين يدي، فلما أن اتصفت بهذا التحصيل، وهيأتى الحق للتقديم، ورشحنى للتفصيل، علمت أنه تعالى يريد رجوع إلى عالم الشهادة، فقبلته على شرط الإبقاء لحال وزيادة، إذ لا دليل قاطع بوجود نهاية، ولا تحقق لأحد بغاية، إذ هو القائل سبحانه قول تنزيه وتمجيد: 

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) «سورة ق الآية 35» 

فحصل للمتصف بهذا المقام نفوذ إرادته في ملكه، وزيادة ما لم تتصف الهمة بدركه فتعود إرادته في قوله: 

(فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) «سورة المائدة الآية 52» 

لكان شرط الوفاء بعهده والزيادة في تتميم الآية بقوله سبحانه (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) «سورة المائدة الآية 52» 

فعند انصرافه من غير مفارقة الرفيق إلى عالم الترفيع والتلفيق؛ تلقتنى حوادث الأكوان في الطريق فعند ذلك عرفت من الحادثات الآنية والآتية ما شهدته وعلمت من الكائنات العلوية والصفلية ما وجدته وأنا الآن من ذلك الوقت إلى حين هلكتى وافتراق ملكتى في تلك الرجعة المشهدية بتلك الصفة الأحدية، ومن ذلك هدهد أمين جاء بنبأ يقين.

وقد تحسد بثلاثة أنوار وأغطيته أسرار وممن سلم على ممن أفقه، واظهر لي بعض خلقه كوكب الأفوال في رد إلفه وقمر بازغا في حلة الهداية المشرقة، فاعطى كل نور حقيقته، وأوضح لنا طريقته، ثم تلاهما الشمس الأكبر والنور الأزهر، الذي يجلوا السدف وينير الغرف ويزيل الكلف وهو التجلي المثالي «والنور الإرسالى، فسلم إلى في مغرب الغمى حتى يصل الأجل المسمى.

فإذا دنا الأجل واقترب من طلع هاديا من حيث غرب، وهذا هو شمس التوجيه، ومقام التنزيه، بأقواله يزول الإشراك، وتنحل عقد الإشراك، فيفلت صيدها ويرتفع كيدها، وهذا لأقول كله على قسمين لذي عينين فإن جعل أفوالها في قلبه، فهو على نور من ربه في عالم غيبه، فبقى له نور قربه، ويكون له نور على نور وسرور وارد على سرور، وأن أظلم المحل الأضواء عند أفوالها، فهو معرّى من صفات مقيلها، قد غرق في بحر الذات الأقدسية متجردا عن أثواب صفاتها المعنوية.

فانظر إلى هذا السر السنى ما أعجبه، وإلى هذا الذوق الشهى ما أعجبه وأعذبه وبقيت مع هذا النور الشمسي في مقامه الأقدسى أناجيه أعواما وليالي قمرية؛ وأياما.

وقد أضح اللّه لنا العلامة، بأنه خاتم الإمامة أعنى الإمامة المحمدية الجزئية؛ لا الإمامة المطلقة الكلية، فمن فهم فليعلم، ومن جهل فليقرع الباب وليلزم، ما دام هذا النور ثابتا في أفقه قبل أفوله في حقه، فحققت ما لديه، وعلمت ما جعل الحق من الأسرار في يديه ومن ذلك رحيق مختوم مزاجه تسنيم، إلى أن دخل عام خمسة وتسعين نصف اليوم.

واتجلى عن الشمس ظلام الغيم وأنا على حالتي في رجوعي المذكور بعلمى المشهور وعلمي المستور، في غلائل النور وإنما كان هذا الرحيق بالمسك مختوما، وكان مزاجه تسنيما لأنه تابع متبوع وسامع مسموع، وستأتي الإشارة إليه من بعد.

ويكون له الوعد والوعيد فلما دخل العام المذكور، ومضت منه ثلاثة شهور، تلقاني عند فراقي لهذه الشمس المغربية، وتركى لها في العصابة اليثربية، الختم برحيقه، وأوضح لي التسنيم مزاج طريقه، فرأيت ختم أولياء اللّه حق.

في مقعد الإمامة الإحاطية والصدق فكشف لي عن سر محتدة وأمرات بتقبيل يده ورأيته متدليا على الصديق والفاروق متدانيا من الصادق المصدوق، محاذيا له من جهة الأذن قد ألقى السمع لتلقى الأذن ولو تقدمه منشور، وخاتماه نور على نور، فكان له في ذلك الجمع الطهور ومن عداه فيه كلابس ثوبي زور، والشمس اليقينية قد قبلت يده مثلي ولحظتها.

فقال : الختم هي من أهل، ثم نازعني الحديث، وتقتيا بالقديم والحديث والساقي يحب المدامة، ويبدأ بساق عرش الإمامة وهو ينعطف على عطفه نشوان ويغازلنى مغازلة هيمان ويقول ردني برداء الكتم، فإني أنا الختم الأولى بعدى ولا حامل لعهدى، بفقدى تذهب الدول، وتلتحق الأخريات بالأول:

وكان ما كان مما لست أذكره ..... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

ولما تناجت القلوب بأسرارها وطلعت شموس الغيوب من سماء أنوارها، وأخذ المجلس حده ودخل أبو العباس وصاحبه عنده انصرفت متحققا بما عرفت ولم تبق نكتة نادرة إلا على باب حضرتي واردة وصادرة، ولولا عهد الغيرة ما أخذ، ودخيل إلا فشا الذي نبذ لأبرزناه لكم في حلته وبيته ولكن سأجعله لكم وراء كنيته، فمن اجترى ورفع ستره، رأى سيره.

وهكذا فعله في شمس غربنا، أظهرها لكم من وراء قلبنا في حجاب غيبنا.

فمن كان ذا كشف علوي، وحزم قوى شق عن قلبي حتى يرى فيه شمس زلى، فمن امتط عتيق الإفشاء طلب ولحق، ومن نزل عن متنه إلى ذلول الكتم نجا والتحق إلا أن كان كم أفعله وفعله من قبلي من خفى رمز، ودرج معنى في معمى ولغز.

 ومن ذلك البحر المتقدم المذكور أرخا الستور على البدور، ولما دخل شهر ميلاد النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى سبحانه رسول الإلهام وهو الوحي الذي أبقاه علينا، والخطاب الذي جعل منه إلينا ثم أردفه بميسرة ساطعة في روضة يانعة.

يأمرني فيها بوضع هذا الكتاب المكنون، والسر المصون المخزون وسلماه لي بكتاب الكشف والكتم، في معرفة الخليفة والختم، فراجعت الملك في هذه العلامة، فقال أيها الفتى، ثم عاد إلى وما رحل وفرش المحل الأقدس ونزل.

 وقال الحضرة قد وسميته بكتاب سدرة المنتهى وسر الأنبياء في معرفة الخليفة وختم الأولياء. فقلت إني لا أجد في نفسي لهذه السمة نكتة، فلا تعجل على ولا تأخذنى بغته فقال إني استحى، فقلت ربى الذي يميت ويحيى فلما كان يوم الجمعة والخطيب على أعواده يدعو قلوب أولياء اللّه وعباده إذ وجدت برد كف الجذب من حضرة القرب فتلقيت في الغفلة الكلمات، وتوفرت دواعي القثب لما يرد عليه من النسمات، فإذا الخطاب الأنفس من المقام الأقدس هل تقنع أيها الخطيب المغرب والمنتقد المعجب.

(بعنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب)  ونكتة سر الشفا في القرن اللاحق بقرن المصطفى. 

وصل وهذه الإشارات كلها راجعة إلى النسخة الصغرى لا إلى النسخة الكبرى فقد بينت لك آنفا إنه لا فائدة في معرفة ما خرج عن ذاتك إلا أن يتعلق به سبيل نجاتك، فشمس المغرب ما طلع في عالم عيبك من أقوال العلوم. 

وتجلى إلى قلبك من أسرار الخصوص والعموم. كما أن الختم ما ختم به على مقامك. 

عند منتهى مقامك وكذلك إذا كنت في زمانك الخاص بك بين إخوانك على ما كان عليه من تقدم من صحابه النبي صلى اللّه عليه وسلم من العمل السنى والتجلي العلى فقد لحق زمانك بزمانها وصرت من جملة أقرانهم. 

ومن ذلك رفع ستر. ومجاهدة فكر. لما نص ما ذكرته. 

وورد على بما سطرته قال هل رأيت يا محمد هذه الإشارة. 

في تأخر الوزارة عن الأمير في وقت الإمارة. لولا خلافة الصديق. 

لرجع الناس عن الطريق. لعدم الكشف ومعرفة الصرف. وهل الخليفة إلا بعد ثبوت المستخلف.  ولهذا توقف المجادل المتعسف. 

قل له يا محمد هيهات يا إنسان لا بد من كونه فكأنه قد كان ولكنه غير موجود في عالم التغيير والحدثان. 

وإنما الحكمة أخرته لسر أضمرته. سيظهر ذلك السر في أو انه وحول زماناه، فشمس المغرب دون رتبة للصديق فعليك بالكتم كما إن صلوا من دون تمت لواء الختم.

وذلك إن أنوار الغيوب الساطعة في القلوب. التي كنينا عنها قد ينالها من ليس بصديق أكبر.

ولا له ذلك الأخطر الأزهر بل قد ينالها الممكور به المستدرج المغبون، وسر هذا في قوله سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ «سورة الأعراف الآية 182» 

والصديقية لا ينالها إلا أهل الولاية. ومن كان له عند اللّه أزلا شابق عناية. وهي السبيل في نجاة من اتصف بها.

وتذهب بمذهبها فلهذا جعلنا الشمس دونها وإليها ركونها كما أن الحتم فوق رتبة الصديق إذا كان الممهد للطريق. الذي مشى عليه عتيق «عتيق: لقب من ألقاب الصديق الأكبر سيدنا أبو بكر لأنه بشر يعتقه من النار، ولو سامة وجهه الطلق السمح وضاءة الخلق والخلق والإيمان».

فالختم نبوي المحتد علوي المشهد فلهذا جعلناه فوق الصديق كما جعله الحق فإنه أخذ نوره من مشكاة النبوة أكبر ممن أخذه من مشكاة العديقية فيين التابع والصاحب ما بين الشاهد والغائب ولما صح أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ثبت أن له حشرين وإنه صاحب الختمين ويشركه ذو الأجنحة في حشرته.

وينفرد الختم بخاتميه، وذوا الأجنحة في الإنسان من غلبت على الروحانية، والتحق بتطهير نفسه بالرتبة الملكية ولا دفاع عندنا في هذا المقام ولا نزاع، وعلى قدر ارتقائه فيها يكون مع صاحب مثنى أو رباع فإن كان أمين الأرواح فيكون له ستمائة جناح .

« قال تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" . 

وقوله تعالى : "أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ" أي يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريع ومنهم من له جناحات ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر من ذلك كما جاء في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، روى في كثير من المسانيد والحديث صحيح.»

ولا حرج عليه في ذلك ولا جناح، وإنما سميناه خاتما، وجعلناه على الأولياء حاكما لأنه يأتي يوم القيامة وفي يده اليمنى، محل الملك الأسنى. خاتم مثالي جسماني وفي يده اليسرى محل الإمام الأسرى بخاتم نزالى روحاني، وقد انتشر باليسار باليمين في زمرة أهل التعيين. 

وقد انتشر باليسار مع أهل التمكين، خصص بعلمين، وخوطب باسمين، فتفطن أيه اللبيب لهذه الأسرار واسعى لضياء هذه الأنوار، ومن ذلك رهن إغلاق أخذ ميثاق، ولم سمعت ما ذكره وأظهر لعيني ما كان قبل ذلك عزم على في تقييد هذه النبذ الأقدسية وأخذ على العهد أن أخذها من غلائلها  السندسية .«الغلائل جمع غلالة، وهو ما يغلق به الشئ والشئ المكنون والمراد من مكنون سر اللّه تبارك وتعالى.»

حتى لا تنبسم عن اغريض ولا يظهر تبرقبها وميض وقال أهو رهن يبدك وقد علق فلا تبتئس فامسك عليه ولا تخرجه فتعتلس فتوجه الأمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم والكتاب المختوم بالتعريض لا تصريح وإعلام تنبيه وتلويح، ولما تلقيت منه الأمر على هذا الحدود دخلت تحت هذا العقد لزمني الوفاء بالعهد فأنا الآن أبدى وأعرض تارة وإياك أعنى فاسمعي يا جارة وكيف أبوح بسره وأبدى مكنون أمر وأنا الموصى به غيرى في غير ما وضع من نظمى ونثرى نبه على السر ولا تفشه فالبوح بالسر له مقت على الذي بيديه، فاصبر له واكتمه حتى يصل الوقت، فمن كان ذا قلب وفطنه، شغله طلب الحكمة عن البطنة فوقف على ما رمزناه «بالأصل «المعمى».

وفك المعنى  الذي لغزناه ولولا الأمر الإلهى لشافهنا به الوارد والصادر، وجعلنا قوة المقيم وزاد المسافر ولكن قد جف القلم بما سبق في القدم فم أشرف الإنسان حيث جعله اللّه محل روحانية هذه الأكوان، فلقد أبدع اللّه سلخه حين أوجده وأكمل نسخة، واللّه الكفيل.

"وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ "، " وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ".

ومن ذلك موقف اختصاص ونتيجة إخلاص ولما كان هذا الأمر يدخله الصدق والمين، ولو كان عند قائله عن مشهدة عين، لما كان يقطع بصدق السامع إلا أن تأيد ذلك الخبر بإعجاز قاطع أو نور حسن ظن بقلبه ساطع ولهذا قال الإمام أبو يزيد «البسطامي» لموسى الديبلى «الدينيلي»: 

أن المؤمن بكلام أهل هذه الطريقة مجاب الدعوة عند العلى فقد حصل للمؤمن الصديق الاشتراك مع الصادق بطريق حسن الظن لا بالدلائل الخوارق ولما كان الأمر عند الخلق بهذه النسبة، وحجبوا عن ماله عند اللّه من عظيم النصبة، أخفيناه عنهم رحمة بهم.

وجزينا معهم على مذهبهم فما أظهرت النبوة للجمهور إلا قدر حمل عقولهم خوف من نفورهم عنه وذهولهم فيقعوا في تكذيب المخبر الصادق فتحل بهم لذلك مثلاث العوائق ثم جرى على هذا المهيع السلف الصالح من الصحابة ونزلوا من مقام الهيبة إلى مقام المزاح والدعابة اقتداء بمن مازح الشيخة وذاته التغير بما ظاهره موهم وباطنه خير وتستروا بالمعاملات في الظواهر وتكتموا بما حصل لهم من العلم المصون والسرائر وإن كان قد نبهوا رضوان اللّه عليهم على أمور ليست عند الجمهور وخوطبوا بها من وراء الستور. 

فقال أبو هريرة: لو تشته لقطع منى هذا البلعوم. 

وقال ابن عباس: لو فسرته لكنت فيكم الكافر المرجوم، لما رأوا أن حقائق الغيوب، فوق مراتب بعض القلوب فأخذوا الأمر من فوق معرفة مشاهدة وذوق ورثاء نبويا محفوظا ومقاما علويا ملحوظا ، إذا سار في أبنائه، لما لقاه في ليلة إسرائه من تحصيل علم أخذ عليه كتمه لما عسر على غيره فهمه، ولما كانت هذه العلوم التي أنا واضعها في هذا المجموع وأشاهد من هذا القبيل.

ومتلقاه من مشكات هذا الجيل ومما لا يصح إلا بعد مفارقة جبريل، وكل صنف من الملأ الأعلى وقبيل لم يصح عندنا إذاعتها، ولا أن نرفع حجابها فتكشف سريرتها فكلم أبرزناه لعين الناقد البصير إنما هو من تلقيات الروح الأمين ومن سدرة المنتهى للسالكين.

وبعض تلقيات التعين والتمكين من حضرة المناجاة بلغة الإنس لإزالة سطوة الهيبة ونزول رحمة الإنس، فأظهر منها على قدر أبصار الناظرين، فمنهم من فهم وسلم ومنهم من جال بها في ميدان المناظرين، ومن ذلك موج مجرد مجنون تجرد عنه لؤلؤ مكنون.

ولم توالت على الأسرار وسطعت من جميع مسام نشأتى أشعة الأنوار اغتسلت بالماء القراح لسد المسام، فانعكست الأنوار إلى محل الإلهام فتفجرت جداوله وأنهارها.

 واشتد الريح الغربى فتموجت بحارها فدخل الموج بعضه على بعض وأسرع إلى م أبرمه المبرم بالحل والنقص فلا تبصر إلا سحابا مركوما، وموجا مجنونا. 

"فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ" سورة النور 40.

حتى ما بقي على ظهر هذا البحر فلك يجرى ولا ظهر في جو فلك يسرى إلى أن لطف المغيث سبحانه فسكن من الريح ما اشتد وكثر الموج بالساحل وامتد فرمى بزبده على سفينة زبد مخض لوضيع الوقت وشريفقَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ «سورة البقرة الآية 60» .

وحققوا طريقهم ومذهبهم، فذاك الزبد قدر ما خرج من بحر قلوب العارفين على ظواهرهم إلى الخلق ولا يعرف قدره إلا صاحب ذوق، وهذا الكتاب المحفوظ من طوارق العلل والمسمى في غيابات الأزل.

عنقا مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب ونكتة سر الشفاء في القرن اللاحق بقرن المصطفى من ذلك الزبد الذي رماه الموج، يلوح للمنفرد به الفرد وللجامع عليه الزوج فمن شاء فليوتر، ومن شاء فليشفع ومن شاء فليكتم، ومن شاء فليشمع، وهذا القرن قد آن زمانه وقرب أوانه.

فليتأهب المتأهب لحلوله، وليستغنم السعي لهذا النور الإلهى قبل أفوله، ل تحجب يا أخي فإن القرن اللاحق بقرن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لم يزل موجودا م دام الإنسان مع ربه سبحانه شاهدا له والحق له مشهودا وإن كان الذي أشار إليه الشرع، وجاء به السمع في عبارة الهرج والقتل فذلك أو ان التقدم في الفضل فإن للعامل منهم ممن تقدم وإن كان الإمام المقدم فإنهم لا يجدون على الخير أعوانا كما وجدوا.

ولا يشهدون لإمامهم عينا كما شهدوا، فلا شئ أقوى من إيمان غيب إذا لم يلحق بصاحبه ريب، وذلك زمان الفتن وحلول البلايا والمحن : "فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا * ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى " «سورة النجم آية 29».

فتأمل هذه الإشارات في نفسك واجتمع عليها بقلبك وحسك فإن الزمان شديد جبار عنيد، وشيطان مريد، فانسلخ منهم انسلاخ النهار من الليل وإلا فقد لحقت بأصحاب الثبور والويل «الثبور: بمعنى الويل والعذاب».

وقد نصحتك فاعلم، وأرضحت لك فالزم السبيل ومن ذلك نكاح عقد، وعريس شهد ولما كان ما صدق من الرؤيا جزءا كبيرا نبويا، قطعنا بتصديق م تهديه، وتنعم به من أيادي الحق وتبديه، فدخلت بيت الأنوار، وانسدلت الحجب والأستار. غيرة على الحرم والأبكار. فبينا أنا أناجيه بين يديه إذ جذبني جذبة عزيز إليه. فأقامني الحق في مقام البحر الذي على موجه وطمى ودخل بعضه في بعض ونما وأنار في حالة لا يعرفها إلا من كابدها، ولا يصفها إلا من شاهدها كما قيل:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ..... ولا الصبابة إلا من يعانيها

فأقمت متكئا على اليمين وتركت قلبي في مقابلة عليين، إذ هو محل الصدق الحق. 

ومقعد الصدق وقد غمره الماء، وأحاطت به الأنواء، فلم تزل أمواجه تصطفق، ورياحه تنزعج وتستبق، إلى أن فتك في الورك الأيسر، الأعلى قدر خرم الإبرة فرشح منه قدر رأس الشعرة رأيت فيها عبرة فكونها الحق سبحانه شخصا ملكيا، وأنشأها إنشاء فلكي فرأيته مسبحا، ومهللا، ومكبرا، وملبيا.

فعرفت أن ذلك الشخص جسمانية هذا الكتاب الذي أنزله الحق على وأبززه للعبادة على يدي، وإنه قطرة من ذلك البحر المتموج، ورشحة من ذلك الموج الأهوج فالحمد للّه الذي صيرني له فلكا محيطا، وجعلني له روحا بسيطا، فانظر وتأمل أيه الولي الأكمل.

إلى نبي قد فقدت جثته وبقيت عند الآحاد سنته فبعث ليلة من قبره، وسير به إلى حشره، والتحق الحي بالميت فحشر وحصل رب البيت في البيت فخطب حميرة من عتيقه وانتزعها من يدي صديقه، فاصدقها عددا غاب عنى، وطلب الشهادة على ذلك منى، فكتبت في خرقة حرير أحمر.

كتاب زهر يزهر وكنت أول الشهود في مهر عن إذنه صلى اللّه عليه وسلم وأمره، وذلك بمنزله الأعلى ومقامه الأجل، فلما صح أمره ترك بيدي مهره ودخل منزله بعرسه وخلى بها وبنفسه، ويقى المهر بيدي إلى انقضاء أمدى، فلما لاح الصبح لذي عينين وجمع لي بين النورين لم أجد عرسا ولا بعلا غير ذاتي ولا صداقا غير خلقي وصفاتى فكنت البعل والعرس، وزوجة العقل بالنفس.

فتطهرت الحميرة ببعلها وتأيدت بعزيمة عقلها، فعجبت من أمرى لما لم يكن غيرى وهكذا وقفت عند رفع الستور على مخبات الأمور، فمن ساحل ماله بحر يحتمى به موجه، ومن بحر لا ساحل له يكسر عليه موجه.

 ومن ناطق بحقائق بغير لسان ولا مخارق ومن صامت لا يبرح داعيا، وإلى اللّه هاديا، ومن كرة لامكان لها ما عرفها أحدا، ولا جهلها، ومن قبة ما لها عمد، ومن عمد مالها في الأرض مستند إلى أسرار تتدنس بالذكر ولا تخلص بالفكر إذ هي من حضرة ما خطر على قلب بشر ولا وعتها أذن واعية بخبر، ولا أدركتها حقيقة بشر:

عجبت من بحر بلا ساحل ..... وساحل ليس له بحر

وصحوة ليس لها ظلمة ..... وليلة ليس لها فجر

وكرة ليس لها موضع ..... يعرفها الجاهل والحبر

وقبة خضرا منصوبة ..... جارية مركزها القهر

وعمد ليس لها قبة ..... ولامكان خفى ولا سرّ

جعلت سرا لم يعبره كمن ..... فقيل هل هيمك الفكر

فقلت مالي قدرة فارفقو ..... عليه في الكون ولا صبر

فإن بالفكر إذا ما استوى ..... في أجلدى يتقد الجمر

فيصبح الكل حريقا فلا ..... شفع يرى فيه ولا وتر

فقيل لي ما تجتنى زهرة ..... من قال رفقا إنني حر

فالشمس قد أدرج في ضوئها ..... القمر الساطع والزهر

كالدهر مذموم وقد قال من ..... صلى عليه ربك الدهر

وإني أريد أن أظهر لك من هذه العجائب ما تيسر وأمهد لك منها ما توعر فو اللّه لو رأيت يا أخي حال العارفين إذا خرجوا من نفوسهم ودرجوا عن محسوسهم تطهرت قلوب وأظهرت غيوب، ورفعت أستار فطلعت أنوار، وكان التجليات على مقدار.

فمن شاهد قدسا، ومن شاهد أنسا، ومن شاهد عظمة وجمالا، ومن شاهد ملطفة وجلالا، ومن بهت في أينيه، ومن خطف في هوية، فلو اطلعت عليهم غيبا لوليت منهم فرار ولملئت منهم رعبا، لانعدامك عند تلك المشاهدة وتعذيبك وسقوط قولك وحل تركيبك فإن سلكت باب المناصحة، شهدت الحق منك مكافحة، فتنشد عند لك ما يسوق السالك:

ولما أتاني الحق ليلا مكلما ..... كفاحا وأبداه لعيني التواضع

وأرضعنى ثدي الوجود تحققا ..... فما أنا مفطوم ولا أنا راضع

ولم أقتل القبطي لكن زجرته ..... بعلم فلم تعسر على المراضع

وما ذبح الأبناء من أجل سطوتى ..... ولا جاء شرا يبطش رافع

فكنت كموسى غير أنى رحمة ..... بقمى ولم تحرم على المراضع

لغزت أسرارا إن تحققت سرها ..... بذلك علم عند ربك نافع

فإن كان هذا الأمر العظيم في الملك فعند المواجبة والتوجيه الموسى، فم ظنك بالصراط السوى، والمسلك المحمدي وفي الصراط السوى إشارة

تدبر العابرة وانظرها آية وأمارة، وأجعلها زفرا تقتبس ناره، فإن المزج والعقار بالامتزاج والحك تريك النار، وهوانا إن شاء اللّه أبدا لك من سرئر الكون والمكنون.

ما شاهده المقام والعين، وما سبب البدء ومن كان أول النشئ، وكيف كان ذلك الأول مشرق الأنوار، وينبوع الأنهار وعنه كان العرش والعالم الأوسط والفرش والجماد والحيوان وهو أصل الأكوان وأريك ذلك كله قد أودعه الرحمن في ذاتك، وجعله صفاتك، فأنت ذلك المثلى المشبه.

وذلك المثل المنزه، فإن قلت وأين حظى من التنريه، وأين حظه من التشبيه، فعند المواجهة والتوجيه يتردد كل واحد منكما بين التنزيه والتشبيه فإياك أن تغفل عن فتح هذا الباب المقفل واللّه يحسن عونك وإذا فتح لك أن يديم صونك وبدايتنا إن شاء اللّه تعالى في هذا الكتاب بمعرفة المعبود، وإنه لا بعرف من ذاته سوى الوجود، ثم بعد ذلك أتكلم فيما ذكرته، وأسوق على ما شرطته، ومنه أملى وبه أستعين وعليه أتوكل، فأنا منه إليكم وإليه منكم من غير إلى ومن، وأنا الأمين الحافظ المؤتمن وحسبن اللّه ونعم الوكيل. 

والحمد للّه رب العالمين والصلاة على خاتم النبيين وسلم تسليما كثيرا.

* * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

البحر المحيط الذي لا يسمع لموجه غطيط في معرفة الذات والصفات والأفعال بكر صهباء في لجة عمياء. 

وهي معرفة ذاته جلت عن الإدراك الكوني: 

والعلم الإحاطى غطس الغاطس، ليخرج ياقوتها الأحمر، في صدفه الأزهر، فخرج إلينا من قعر ذلك البحر صفر اليدين، مكسور الجناحين مكفوف العين، أخرس لا ينطق مبهوتا لا يعقل فسئل بعد ما رجع إليه النفس، وخرج من سدفة الغلس.

فقيل له ما رأيك، وما هذا الأمر الذي أصابك؟

فقال: هيهات لما يطلبون، وبعد الماء يرومون واللّه لا أناله أحد.

ولا تضمن معرفته روح ولا جسد، هو العزيز الذي لا يدرك، والموجود الذي يملك ولا يملك إذ حارت العقول، وطاشت الألباب، في تلقى صقاته، فكيف لها يدرك ذاته أل ترى حكم تجليه، في ربوبية الأزل، كيف خر الكليم صعقا، وتدكدك الجيل، فكيف لو تجلى في هذه الربوبية من غير واسطة الجبل لنبيه موسى لكان صاحب موسى زمانه لا يوسى، بعد إندكاك وهلاك، وبعث في نشأة مثلة وأملاك وإذا كان تجلى الربوبية على هذا الحد، فأين أنت من تجلى الألوهية من بعد، وإذا كان هذا خط المتبوع الكليم، فكيف بخط التابع الحكيم، فقد رمزنا في الصفات أمرا يعجز عنه، ولا يصل أحد إلا إلى ما قدر له منه.

وأما معرفة الذات فمتفقة بالنور الاضواقى عمى محتجبة بحجاب العزة الأحمى، مصون بالصفات والأسماء، فغاية من غاب في الغيب، الوصول إلى قرب، ونهاية الطلاب، الوقوف خلف ذلك الحجاب. 

هنا وفي الآخرة وفي نشأة الدنيا والحافرة. 

فمن رام رفعه أو تولى صدعه في أي مقام كان عدم من جبنه، وطويت سماؤه وأرضه بيمينه، ورجع خاسرا، وبقي حائرا وكان قاسطا جائرا، ورد إلى أسفل سافلين والحق بالطين فمن كان من أهل البصائر والألباب.

وتأدب بما يجب عليه من الآداب، وصل إلى ذلك الحجاب، الذي لا يرفعه سبحانه عن وجهه وكان يوقف على كنهه والوقوف على كنهه محال، فلا سبيل إلى رفع ذلك الحجاب بحال، فإذا وصل إليه العاقل اللبيب، والفطن المصيب، وافرغ عليه رداء الغيرة .

قال أغار عليه أن يعلمه غيره، فوقف خلف الحجاب وناداه باسم الوهاب، البعيد الأقرب إلينا من حبل الوريد فيجيبه الحق بالمريد.

وحقائق الوجود وتقدس وتنزه.

وتملك وتشبه. ودخل حيث شاء من جنة الصفات وارتاح في رياض الكمال وجال وصال بالمتجلى المتعال لا يرد له أمر ولا يحجب عنه سر. ونادى الحق من عرش التنزيه.

خلف حجاب عزة التشويه. هذا عبدي حقا وكلمتي صدقا. عرف فأصاب وتأدب فطاب. 

فليقبل جميع ما تضمنه هذه الحضرة إليه.

ولينصب ذلك كله بين يديه. ليأخذ ما شاء مختارا. 

ويترك ما يشاء إدخارا «فيؤتى الملك من شاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير وهو الحكيم الخبير» وهذا مقام الأدباء منزل الأمناء.

وحضرة اللقاء. وكل واحد من الواصلين إليه على قدر علمه وقوة عزمه. 

وإن شملهم المقام وعم فمنهم التام والأتم ومن هذا المقام يرجع صاحب الجماعة. 

وفيه يبقى من قامت في حقه الساعة فهو المنتهى والختام. ومقام الجلال والإكرام.

وفي هذا المقام قلت:

مواقف الحق أدبتنى ..... وإنما يوقف الأديب

أشهدنى ذاته كفاحا  ..... فلم أجد شمسه تغيب

« سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَسورة الصافات الآيات 180 - 182»

واتخذت ذاتنا فلما ..... كنيت أنا العاشق الحبيب

أرسلني بالصفات كيما ..... يعرفني العاقل المصيب

فيأخذ السر من فؤادي ..... فتفتدى باسمه القلوب

فإن قلت فأين معرفة الياقوت الأحمر المصون في الصدق الأزهر 

فأقول إن معرفة لياقوت الأحمر أن لا يعرف ولا يجد ول يوصف، 

فإذا علمت أن ثم موجودا ألا يعرف، 

فقد عرفت وإذا أقررت بالعجز عن الوصول إلى كنهه فقد وصلت فقد صحت الحقيقة لديك واتضحت الطريقة بين يديك، فإنه من لم يقف على هذا العلم ولا قام به هذا الحكم يدوم ما لا يحصل له، وذلك لما ذهل عنه وجهله.

فكفاك أن تعلم أن لا يعلم وهذا الحق قد انبلج صبحه فألزم.

واقتد بالنبي والصديق إذ قال صلى اللّه عليه وسلم: «لا أحصى ثنا عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، وهذا غاية الفجر، أو معرفة من وقف عند حجاب العز .

وقال الصديق الأكبر، العجز عن درك الإدراك إدراك فل سبيل إلى الاشتراك، وليس بعد حجاب العزة الإلهية إلا الكيفية والماهية، فسبحان من بعد وقرب.

وتعالى ونزل، وعرفه العارفون على قدر ما وهب، وحسب كل عارف به ما كسب فكسب وذلك من صفات السلب فغاية معرفتنا أنه موجود وأنه الخالق والمعبود.

وأنه السيد الصمد المنزه عن الصاحبة والولد، وهذا كله راجع إلى التنزيه، وسلب التشبيه، فتعالى أن تعرف منه صفات الإثبات، وجل أن تدرك كنه جلاله المحدثات وإذا كانت صفات الجلال لا يحاط بها، فكيف من قامت به

واتصف بها فجل الكبير المتعال. العزيز الذي لا ينال، فبحر الياقوت الأحمر هو المسمى  بـ "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" «سورة الشورى الآية 11». 

و"سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ "«سورة الصافات الآية 180».

 فقد أشار إلى حجاب العزة الذي ذكرناه. 

والسر الذي وصفناه الصفات لمحة بارق. 

وخيال طارق قل للباحث عما لا يصل إليه.

والطالب فوق ما يكفيه هل عرف من الحق غير ما أوجده فيه وإلا فهل أثبت له ما لم يتصف به.

وهل زلت في معرفته عن الأمر المشتبه إلا من طريق السلب والتنزيه. 

والتقديس ونفى التشبيه وإن قلت هو الحي المتكلم القدير المريد العليم السميع البصير؛ فأنت كذلك وإن قلت الرحيم القاهر حتى تستوفى أسماؤه فأنت هنالك.

فما وصفته سبحانه بوصف إلا اتصفت به ذاتك ولا تسميه باسم إلا وقد حصلت منه تخلقا وتحققا مقاماتك وصفاتك فأين ما أثبت له دونك من جهة العين وغاية معرفتك به أن تسلب عنه نقائص الكون وسلب العبد عن ربه تعالى ما لا يجوز عليه راجع إليه وفي هذ المقام قال من قال سبحانى ما أعظم شأني دون شئونى هيهات كل يعرى من شئ إلا من لبسه أو يؤخذ شئ إلا ممن حبسه ومتى لبس الحق صفات النقص حتى تسلبه عنها أو تعريه. 

وواللّه ما هذه حالة التنزيه. 

وإنما الملحد الجاحد.

حكم على الغائب بالشاهد.

وظن أن ذلك نص فنسب إليه النقص. 

فإذا أثره نفسي أن ألبس ما لبسه هذا الملحد.

وأعريها منه حتى أكون المحقق الموحد فنفسى إذا نزهت وذاتي قدست، والباري سبحانه منزه عن التنزيه. فكيف عن التشبيه، فالتنزيه راجع إلى تطهير محلك لا إلى ذاته. وهو من جملة منحه لك وهباته. 

فالحمد للّه الذي قدسك وعلى ثوب التنزيه الذي ألبسك. 

ولولانا ما لاح لعينك من ذلك لمحة بارق وطرقك عند هجعتك منه خيال طارق. 

ما صحت لك هذه العناية ولا ألبسك ثوب الخلافة والولاية وخرجت بها في وجودك كما كنت عليها في الصفة العملية، والمشيئة الاختيارية.

سابقة قدم قبل خط القلم.

فاعلم أنك متصل به في الصفات المعنوية. 

من جهة الظلال من غير اتصال منفصل عنه بالصفات النفيسية المجهولة في كل حال من غير انفصال. فلو لا ما وصفك بأوصافه واعتنى بك في سورة إعرافه. 

وأنزلك فيها منزلته في وقت القبضتين والتعالى وقوله «هؤلاء إلى الجنة ول أبالي. 

وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» «عن عبد الرحمن بن قتادة السلمى، وكان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:

سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: خلق اللّه آدم ثم أخذ الخلق من ظهره 

فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي. 

قال قائل يا رسول اللّه فعلى ماذا نعمل؟ 

قال: على مواقع القدر. . . الحديث رواه ابن حبان في صحيحه (1806 موارد الظمآن)».

 لما ارتفع عنه النفع والضرر وتنزه عن صفات البشر.

فقال تعالى: "وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ " «سورة الأعراف آية 46» وما كانوا له وفيه وما هم وذلك لما خلق سبحانه وتعالى هذا الشخص الإنسانى على صورته وخصه بسريرته فصفات الحق صفات العبد. 

فلا تعكس فتنكس. 

فانظر إلى ما أشرنا إليه في هذه الشذور وتأمل ما وراء هذه الستور.

وتحقق ما حصل عندك من معرفة الصفات وإياك والالتفات.

فما عرفت قط صفة على الحقيقة من معبودك وإنما عرفت ما تحصل من الأوصاف في أركان وجودك فما زلت عنك وما خرجت منك والتحقت

صفاته بذاته فتنزهت عن تعلق علمك بماهيتها، واتصلت في ذلك معرفتك بذاتها.

فأنت العاجز عنها. والواقف دونها.

فعلى طريق التحقيق ما عرفت ربك من كل طريق. وما عرفت أيضا سواه. وما نزهت إلا إياه فإن قلت عرفته قلت الحق وأنت اللاحق.

وإن قلت إنك لم تعرفه قلت الصدق وأنت السابق.

فاختر النفي لنفسك أو الإثبات فقد تنزهت الصفات من تعلق العلم الحادث به كما تنزهت الذات. 

الأفعال موج ضرب في الساحل وانصرف.

وترك به اللؤلؤ والصدف فمنهم من زهد ومنهم اغترف ولما كانت نجوم السماء السيارة. تضاهى بعض الأسماء من باب الإشارة وهي باب في الأحكام. على صورة منها م هو السلب النقائص والتشبيه ونفى المماثلة للتنزيه. 

وهو حظنا في هذا التركيب من علم الذات ومنها ما هو شرط الألوهية، ومنها م لا ينقص بعدمه لو جاز على الماهية وهو علم الصفات ومنها ما هو لتعلق إيجاد العين، والتأثير في عالم الكون وهو صور الأفعال.

فنقول على هذا الصراط السوى في اسمه تعالى القدوس العزيز الغنى صفات جلال ونقول في اسمه تعالى العليم السميع البصير صفات كمال.

ونقول في اسمه تعالى الخالق الباري المصور صفات أفعال وما فيها والحمد للّه صفة إلا لنا فيها قدم، ولنا إليها طريق أمم فهذا الباب لصفات الفعل وهو باب الطول والفضل والإنعام والبذل، امتن سبحانه وتعالى أولا بالإيجاد من غير أن يجب ذلك عليه، أو يضطره أمر إليه، بل كان مختارا بين العدم والوجود، فاختار أحد الجائزين ترجيحا وسعادة للعبيد، فعلق بنا القدرة بين العدم والوجود ولا بعينه، فبرز للعين عن تعلقها دون كيفيته إذ كانت غير متعلقة بموجود، ولا أيضا متعلقة بمفقود، وهذا بحر ليس له قعر فرددناه للفضل المتقدم ولم أكن فيه بالجائر المتحكم.

وذلك لو علمنا حقيقة القدرة الأزلية وماهيتها في العالمية لعرفنا كيف تحققت ومتى تعلفت ولم نقدر في هذا الكتاب على قياس الغائب على قياس الغائب على الشاهد لأنا ما اجتمعنا على معنى واحد.

إذ ليس للقدرة الحادثة تعلق بإيجاد كون وإنما هو سبب عادى لإبراز العين وحجاب نصبه الحق في أول الإنشاء ليضل به من يشاء ويهدى به من يشاء والفعل قد يكون نفس المفعول بالتشبيه والاشتباه كقوله تعالى "هذا خَلْقُ اللَّهِ" «سورة لقمان آية 11» أي مخلوق اللّه، الذي أوجده بقدرته.

وقد يكون عبارة عن الحالة عند تعلق الفاعل بالمفعول وكيفية تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد الذي حارت فيه المشاهد والعقول وكل من رام الوقوف عليه نكص على عقبه ورجع عن مذهبه وهو قوله تعالى: "ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ" «سورة الكهف آية 51».

وقال في حق أنفسهم وأقدسهم حين قال:" رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى" «سورة البقرة آية 260». 

فأراه آثار القدرة لا تعلقها فعرف كيفية الإنشاء والتحام الأجزاء حتى قام شخصا سويا، وما رأى تعلق قدرة ولا تحققها.

فقال له الخبير العليم "اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" «سورة البقرة آية 260» .

لما تقدمه من صورة الأطيار، وتفريقه الأطوار، وكما نفخ المسيح في صورة الطين 

الروح وانتفض طيرا وأظهر في الوجود خيرا. 

فكان النفخ له حجابا، وما فتح له من باب تعلق القدرة بابا.

وكذلك يقول من سأل اللّه تعالى أن يقول للشئ كن فيكون، ذلك عنده أمر وينفرد الحق بسر نشيئه ونشره فالتفاضل بين الخلق إنما هو في الأمر الحق، فشخص يكون أمرا ربانيا لتحققه فيكون عنه ما يشاء، وآخر غير متحقق ليس له ذلك.

وإن كان قد ساواه في الإنشاء، فسبحان من انفرد بالاختراع والخلق وتسمى بالواحد الحق.

(لا إله إلا هو العزيز الحكيم) أوجد العالم كله من غير مثال في كافة كثافاته ولطافاته ظاهرا وباطنا دنيويا وبرزخيا وأخرويا ملكا وملكوتا وغيبا. . . 

فتعالى اللّه علوا كبيرا.

 


F662lj3GWrk

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!